الجاحد إنسان ناكر للجميل، إنه مثل الأرض السبخة، مهما أسقيتها فلا ينمو فيها عشب، ولا يرتفع فيها شجر، إنها كالإسفنجة تمتص الماء، ولا يبدو أنها مبللة.
الجاحد إنسان يأخذ ولا يقتنع بما يأخذ، إنه كالبطحاء يذهب ماؤها سدى، ولا يملأها ماء الأنهار والبحار، وكلما ساح ماؤها، قالت هل من مزيد.
الإنسان الجاحد كائن هلوع لا يشبع ولا يرتوي، إنه كالنار تأكل حطبها، ولا تترك غير الرماد، الإنسان الجاحد يمر على الحياة، مر الفيضان يسحق كل ما يعترض طريقه، ويبيد ولا يحيد عن إغراق ما يقف في طريقه.
الإنسان الجاحد، لا يقتنع بما أخذ، وإنما يأخذ ليمتنع عن القناعة، إنه يأخذ ليعاقب من يعطيه، ويقول ها أنا أخذت ما لديك، ويظل يأخذ ويأخذ، إنه كالبحر، مهما امتلأ بماء الأنهار، يظل محتفظاً بملحه، يظل جاحداً بما تقدمه الغيمة.
الإنسان الجاحد، إنسان حاقد، الجميل يزيده قبحاً، والحسنات تضاعف من سيئاته، وكلما شبع جاع، وكلما أتخم ازداد خواء، وكلما امتلأ فرغت جعبته، وكلما اكتسب الصنيع الجميل، اكتسى بضمور الضمير، وكلما ازداد ثراء، ذبلت أوراق قناعته، وكلما أحسنت إليه، أساء إليك لأنه لا يأخذ لسد حاجة، وإنما يأخذ لنفخ «الأنا»، وتضخيمها وتفخيمها وتوريمها وتعظيمها، يأخذ لأنه ينمي قناعاته على الأخذ من دون توقف أو تعفف، هو يفعل ذلك لأنه وصل إلى قناعة، أنه يصبح بلا أنا، ويصير في الوجود مثل حشرة تائهة مثل مستنقع، لا يختزن غير البقايا والنفايات.
الإنسان الجاحد، هو كائن أناني في الأساس، وهو إنسان خاو في داخله من المعنى، هو مثل الطبل، رنينه ينبعث من تجويفه، وكلما اتسع فراغه تضخّم صوته.
الجاحد إنسان منعزل، علاقته بالآخر مرهونة بما يأخذه، وكلما أخذ ازداد رغبة في الأخذ.
الجاحد إنسان نرجسي إلى حد الثمالة، ولكن لـ «الجميل المشفوع بمنة ذنوب»، لأنه أشد من الجاحد جحوداً، عندما يتبع ما أعطى بكسر خاطر أو تبديد مشاعر.
الجميل بمنة مثل المطر الغزير، إنه يسقي فيغرق، فيهلك ويبيد، ويحيل الزرع والضرع إلى أشلاء مبعثرة، وأحياء متعثرة، وحياة أشبه بما بعد الطوفان.