ثلاث ثوانٍ فقط هي كل مشاركة «عمر» في فقرة «نشأة وطن» (اللوحة الأولى) في احتفال «دام عزك يا وطن» الذي جرى بمناسبة اليوم الوطني باستاد مدينة زايد الرياضية. ثلاث ثوانٍ فقط، تبدأ من الدقيقة الرابعة وثلاثين ثانية، يظهر عُمر وهو يحمل مجسم سفينة يلهو به برفقة صبيين، وتمر الكاميرا لترصد بعد ذلك تفاصيل حميمة وجميلة لسكان هذه الأرض قبل قيام دولة الإمارات، لتعقبها فيما بعد فقرات «إماراتي وأفتخر» و«عز الوطن». كان عُمر من ضمن 2500 شخص شاركوا في رسم هذه اللوحات البهية التي تحكي عمر دولتنا، فظهر في دور بسيط قد يراه البعض «لا يستحق أن يذكر» في العرض الذي استمر لأكثر من ساعة. الحقيقة أن «عُمر» جسد بكل فخر في ثوانيه الثلاث معانٍ سامية وملهمة قد لا يعرفها هو بنفسه. ففي فجر ذلك اليوم كان ينتظر أن يفحصه أحد الأطباء في قسم الحوادث بمستشفى قرب منزله بعد أن أصابته آلام معدة وحالات ترجيع، وما زاد حالته سوءاً قلقه من عدم قدرته المشاركة في العرض الذي كان يحضر تدريباته على مدى شهر، والذي لم يكن يُصرح بتفاصيله لأحد! بعد ساعات في المستشفى وإبرتين، غادر «عُمر» إلى منزله وأصر على المشاركة بدعوى أنه الوحيد الذي تدرب على الحركة ولن يكون له بديل في العرض، وبالفعل غادر للمشاركة قبل الموعد الرسمي للعرض بأكثر من ست ساعات. في عمر الوطن مرت وستمر لحظات كثيرة وكثيرة جداً، يقوم فيها أبناؤه بأشياء صغيرة في حساب البعض، أشياء لا تكاد تذكر، كأن يقف شرطي بكل حماس في يوم إجازة ينظم حركة مرور الناس، أو صبي يصور لقطة إيجابية ملهمة في شارعه وينشرها عبر وسائل التواصل، أو أم تبادر بجمع مخلفات أسرتها بعد انتهاء جلستهم في حديقة عامة، وغيرها من مشاهد صغيرة حقيقية لا تكمل لوحة الوطن بكل جماله الباهر إلا بعمر هذه اللحظات. هكذا يتحقق حب الوطن عندما يصر أهله أن تكون لحظاتهم حقيقية وجميلة وإيجابية، حتى وإن رآها آخرون صغيرة لا تستحق التوقف أمامها، في حين أنها لحظات تحمل سفينة الوطن وتضمن سيره بثبات، كتلك السفينة التي حملها «عُمر» خلال 3 ثوان في عرض استمر ساعة، سجلت عمراً مديداً في تاريخ الوطن.