- يا أخي·· عندما تركب طائرة ويحدثك كباتنها بلهجة إنجليزية نبرتها واضحة، تشعر بثقة وفرح داخلي، تشعر أنه شبعان نوم ورائحة الصابون تخرج من مسامات وجهه الحليق، غير أن تسمع أحد الأخوة من طيارينا الذي يحاول جاهداً أن يشعرك بسلامة الوصول والأمان، لكن هناك نبرة في الصوت لا تطمئن مطلقاً، وما أن يذكر اسمه فإذا به من الأسماء ''الخمسة'' التي اعتدنا أن نسمعها ونحن نلعب الكرة في الحارة، فينقبض حالك وتتغير أحوالك، فتتذكر تعليق واحد من شوابنا حين سمع ''الكابتن خلفان'' يحييكم من على متن طائرته الإيرباص والمتوجه إلى مطار هيثرو لندن قال شيبتنا: عز الله ما وصلنا، دامه خلفون إلي نعرفه والله ما بيوصلنا مرّج مب لندن· - يا أخي·· لما أشوف صور المطربين العراقيين القدامى الذين انقطعت عنا أخبارهم ونقارنها مع صورهم الجديدة، تحز في نفسي وتصيبني الكآبة وأحس أن الزمن لا يرحم وقاسياً في أغلب الحالات، صورهم الجديدة تشعرك أنهم لم يتطوروا طوال هذه الأعوام الطويلة، وأنهم لم يروا من متغيرات الدنيا، فصورهم مثل ما كانت بالأبيض والأسود وجاكيت الشهادة الثانوية المخطط، وفرق الشعر على الجانب الأيسر ولمعة حلاقة الذقن بائنة على الخد، وربطة العنق المعلقة في غرفة استديو مصور الحي والتي تظهر على صدور رجال كثيرين اضطروا لإخراج جوازات سفر عاجلة، والساعة الكبيرة التي تظهر في معصم يده اليسرى وفص الخاتم الكبير في بنصره، وحواجبه الكثة المصبوغة ظُهر ذلك اليوم الذي ذهب فيه بعد العصرية إلى المصور وقال له: توصى بيّا أريدها فد صورة غير شكل، ترى المعجبات هوايا· - يا أخي·· عجيبة آذان البشر، جرب وتأمل في آذان من يمرون أمامك أو تلتقيهم صدفة في المصعد، أشكال وأرناق وخذ إصبعك وأشبر، بعضها يستدق حتى ستخالها أنها ستختفي في صدغه، بعضها يستطيل حتى تصل كتفيه، هناك الأذن المشعرة والأذن النظيفة والأذن الكسولة والأذن التي ستهرم بسرعة وتشيخ قبل صاحبها، وشوابنا حين وصفوا بعض الآذان بـ'' مغارف الصلّ'' لم يكذبوا، الغريب أن كل شيء في الإنسان يصل إلى عمر معين ويتوقف عن النمو، ما عدا الأذنين وكأنهما ليس لهما راع، وبصراحة يا أخوي·· أنا شفت آذان لكثير من الناس ولمختلف الشعوب والأجناس، فالأفارقة مثلاً آذانهم صغيرة ودقيقة وكل الكبر والتمدد في الأنف والبراطم، الجغرافيا لها منطقها أحياناً، في حين العرق الأصفر كل شيء صغير فيهم إلا الآذان، أما أغرب أذنين لم أر مثلهما قط، فهما أذنا الأمير تشارلز وأذنا وزير عراقي سابق، عند الأول تشعر أنهما يتطوران كل يوم، وعند الثاني تشعر أنهما خارجتان من أكتافه وترعيان رأسه، ما ينطبق على الآذان ينطبق على الحاجبين، فحواجب بعض الرجال عجيبة منها ما تشعر أنهما حجاب خيمة، بعضها تجدهما واقفين دون أدنى سبب، وأعرف صديقاً إن كان غاضباً تجد الشعر الأبيض في حاجبيه هو الواقف فقط، أما إذا كان زعلان من زوجته، فتحمر عينه اليمنى ويطير شعر حاجبيه، وبعض الرجال أول ما يتبادى لك من وجهه حاجباه، بعضها تجده يضحك وشعرهما عكس اتجاه الريح، بعضها تجد شعرهما هابط كجناحي غراب، بعضها كعشب بري هنا وهنا وهناك، المرتاح من كل هذه المشاكل هم سكان شرق آسيا والصين واليابان، فحواجبهم مثل براري القمح شعرة ناقضة هنا وشعرة نائمة هناك وشعرة نسيت أن تطلع اليوم··