2 ديسمبر 1971: علامة فارقة في حياة وتاريخ الإمارات العربية الممتدة من صحراء ليوا إلى سواحل الخليج. 2 ديسمبر 2011: علامة فارقة في واقع حال الإمارات العربية، وسط تحولات الساحات العربية التي لم ترس ـ حتى الآن ـ في بحر أو على بر. تأخذ الاحتفالات بالأيام الوطنية للأمم والدول، في الأغلب، سياقات الذاكرة الوطنية. تفتح الأجيال السالفة خزائنها الذهنية أمام الأبناء والأحفاد، الذين تتناهى إليهم أخبار الأيام المجيدة على صفحات الكتب وفي ثنايا الحكايات المتوارثة. بنوع من التبجيل لهذه الذاكرة الفردية والجمعية، يحتفل الإماراتيون كل عام بيومهم الوطني. وهم يحتفلون هذا العام برقم مميز، إذ بلغت الدولة التي أنشأها المؤسس الأول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه)، مع ثلّة من إخوانه، عامها الأربعين. وفي مثل هذا العمر، يبدو استدعاء الذاكرة أكثر إلحاحا، وأكثر احتياجا. هكذا يحتل حديث الذكريات المقام الأول في كل مجلس كلام، وفي كل وسيلة إعلام. ولم تشذ جريدتنا، وملاحقها المختلفة، عن القاعدة فاستنطقت حيث ينبغي الأرشيف، واستثارت حيث تمكنت كل لسان فصيح. هذا المعين، الذي سجلته لحظة الولادة عام 1971، والذي حفظته على السنوات الصدور والعقول، تبدو أهميته في هذا العام موازية لأهمية اللحظة الراهنة في كل تجلياتها وأبعادها. فقد بلغ الحراك العربي حدا، لم تشهده الدول والأقطار طوال تاريخها المتداول والمكتوب. وهو في بعض، جوانبه، خرج من حال الحراك التي يمكن رصدها، وتوقع اتجاهاتها، والتأثير ـ ربما ـ في سياقاتها، إلى حالة من السيولة الهادرة التي لا يمكن التنبؤ بمسار جريانها، ولا توقع أماكن مصباتها، وتنعدم القدرة لإقامة السدود في وجه اجتياحها. في ظل هذا المشهد العربي المتغيّر، يبرز النموذج الإماراتي كعلامة فارقة. أو قل كعلامة تدل على الاتجاه الصحيح. أو كبرنامج خلاص، أو ربما خارطة طريق للخروج من الأزمات الوطنية المستوطنة. لقد نشأ النموذج الإماراتي قبل أربعين عاما، كمنجز وحدوي عربي ووطني في آن. وتمكن خلال عقوده الأربعة، أن يقيم الدليل على ضرورة الوحدة الوطنية كأداة شرط لتحقيق غايات الأمة في التقدم والتنمية البشرية والإقتصادية والثقافية، وفي إرساء بنية مجتمع مدني تحكمه قاعدة الحقوق والواجبات. حققت الإمارات منجزها ذلك بمعادلة ذهبية مثلثة الأضلاع: الوطن (كمعطى جغرافي وتاريخي)، والدولة (كمعطى قانوني ودستوري)، والشعب (كمادة إنسانية وطاقة روحية للوطن والدولة). وإذا ما دققنا النظر في الواقع العربي الراهن، فإن اختلال تلك المعادلة هو بالضبط ما جعل كل أزمة اجتماعية أو سياسية أو إقتصادية ـ وهي أزمات طبيعية في سير الأوطان ـ تتحول إلى أزمة وطنية كبرى، تهدد ركائز الوطن وتهزّ أركان الدولة. نشاهد من الموقع الإماراتي تلك الأزمات الكيانية العاصفة، في أكثر من عاصمة عربية، السائرة في طريق وعر منتهاه تقسيم المقسّم، وتفتيت المفتت.. فنجد أنفسنا بحكم الموقع، والمصلحة، والرغبة، متطلعين بشوق إلى هذا النموذج العربي، الذي قام قبل أربعين عاما، على قاعدة الجمع، والبناء، والعدالة، والتقدم، والكرامة الإنسانية لكل مواطن ومقيم.. هو النموذج الذي افتقدته أوطان وكيانات ودول، وحققته الإمارات منذ أربعة عقود، بلا آيديولوجيات، ولا شعارات، ولا ادعاءات.. لأنها ببساطة أدركت المستقبل انطلاقا من محطة الماضي عبر جسر الحاضر. عادل علي adelk58@hotmail.com