يستجيب المصطلح لتطور المفاهيم وتبدلات النظم المعرفية والبنى الأسلوبية للنوع الأدبي. والنقد الروائي يتقدم اليوم باقتراح ذي دلالة هو الانتقال من الرواية البوليسية كمسمى اصطلاحي إلى الرواية الجنائية. وهذا ما أثارته قراءتنا لتغطية صحفية قدمتها مؤخراً صفحات “الاتحاد” الثقافية للفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة للكتاب، حيث التم عدد من الكتَاب تحت شعار يغري بالتأمل “الرواية البوليسية ـ البحث عن الحقيقة/ كيف نجعل ذكرياتنا تخدعنا” وهو تلخيص لمهمات الرواية البوليسية التقليدية أيضا، حيث تعنى أحداثها وأفعال السرد فيها بالبحث في الغامض من الجرائم، والتقاط خيوط الحقيقة من خلال احتمالات يزيدها الخيال اختلاطا وتعقيدا لتجد نهايتها الأخيرة أو خاتمتها، ومصائر أبطالها بالوصول إلى الجاني أو الجناة المفترضين ما يشبع فضول القارئ المسهم في اقتراح الطرق اللازمة للعثورعلى الفاعل بين احتمالات الخيال الروائي، ولعبة الإخفاء التي يفترضها البوليسي في بنيته الروائية وشعريته. هكذا كان الفضول يغلبنا لنعثر في لحظة انفعال وفضول على الفاعل من خلال التلصص على نهاية الرواية قبل ختامها، لكن الانتقال من البوليسية إلى الجنائية يفترض تغييرا في وجهة النظر، أي الانتقال منٍ الفاعل الجرمي إلى التعرف على الكاشف الجنائي والمحقق والمخبر، وتحول التبئير من الجاني إلى المحقق، وهذا ما يؤكده قول المسهمين في الندوة انهم جاءوا إلى الرواية الجنائية من عملهم في حقول مهنية تجمعهم وتتصل مباشرة بكشف اللغز الجرمي عبرالأدلة الجنائية والبصمات واستخدام علم الجينات والتكنولوجيا الحديثة لغرض الدفاع عن المجتمع وصيانته أخلاقيا. وهم يتفقون عربا وغربيين على أن أحداث أعمالهم كلها ثمرة مشاهدات ومعايشات واقعية أتاحها عملهم المهني، لذا فهم ينوهون بمفردات قد لا يتنبه لها العاملون في النوع الروائي البوليسي؛ كالحفاظ على الوضع كما هو على مسرح الجريمة المسمى بالشاهد الصامت لأهمية تفاصيله وقيمتها، والاهتمام بالأدلة الجنائية وتمثيلها سرديا في العمل، واستخدام السبل المتاحة للكشف عن الجاني، وتحليل شخصيته لبيان الدوافع الخفية لجنوحه وتكوينه النفسي والأسري، وتلك نقطة افتراق أخرى بين العمل البوليسي التقليدي والجنائي الجديد، حيث كان الهدف سابقاً هو توظيف السرد لتوريط القارئ في الغامض فحسب، كلعبة سردية يمارسها بتلذذ تأكيداً لذاته، وللتطهير عبر شعوره أنه ليس مجرما! يتم هذا باتفاق مع كتاب الرواية عالميا وهو ما أكدته مساهمات الأجانب في الندوة، وما يظهر في أرشيف الترجمة الروائية لهذا النوع الذي يبدو للمهتمين مهمشا ومقصى داخل الرواية ذاتها، كونه يحمل تبسيطا واشتغالا سطحيا بسبب التراث الروائي البوليسي الذي يركز على الغموض والكشف دون الغور في ما يصاحب الجريمة من دوافع ومشاهد ودلالات. تقول إحدى دور النشر مروجة لرواية جنائية: إنها مخيفة إلى الحد الذي يدفعك إلى إبقاء المصابيح مضاءة، وإبقاء الكلب في الداخل!. ولعل هذا يربط ماضي البوليسي بجديده في مبالغة إعلانية تغفل تطوير دور الكلب المدرب في كشف الجريمة!