كانت العرب تقول: من لم يكن عقله من أوفر ما فيه كان هلاكه من أخسّ ما فيه. ومن كانت فيه خلّةٌ أرجح من عقله فبالحري أن تكون سبب منيّته. ومن لم يكن في أغلب خصال الخير عليه عقله كان في أغلب الخصال عليه حتفه. وكلّ شيء كثر رخص، ما خلا العلم فإنّه كلّما كثر غلا. دخل عبد الملك بن مروان على معاوية فسلّم وجلس، فلم يلبث أن نهض، فقال معاوية: ما أكمل مروءة هذا الفتى: فقال عمرو: إنّه أخذ بأخلاق أبيه وترك أخلاقاً ثلاثاً: أخذ بأحسن البشر إذا لقي، وبأحسن الحديث إذا حدّث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المروّة إذا خولف، وترك مزاح من لا يثق بعقله، وترك الكلام فيما يعتذر منه، وترك مخالطة لئام الناس. قال قيس بن زهير حين تزوّج إلى النّمر بن قاسط: إنّي موصيكم بخصالٍ وناهيكم عن خصال. عليكم بالأناة فإنّ بها تنال الفرصة، وبتسويد من لا تعابون بتسويده، وعليكم بالوفاء فإنّ به يعيش الناس، وأنهاكم عن الفضول فتعجـزوا عن الحقـوق، وعن منع الحرم إلاّ من الأكفاء، فإن لم تصيبوا لها الأكفاء فإنّ خير منازلهنَّ القبور، وانتهزوا الفرصة، فإنه قلّ مقصّر فيها يسلم من الندامة عليها. لمّا اشتدّ بحصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ وجعه من طعنةٍ أصابته دعا ولده فقال: الموت أهون ما أجد، فأيّكم يطيعني فيما آمره به؟ فقالوا: كلّنا مطيع. فبدأ بأكبرهم فقال: قمْ فخذ سيفي فاطعن حيث آمرك به. فقال: يا أبتاه، هل يقتل المرء أباه؟ فأتى على القوم فكلّهم يقول نحوه، حتى انتهى إلى عيينة بن حصن فقال: يا أبتاه، أليس لك فيما تأمرني راحة، ولي بذلك طاعة، وهو هواك؟ قال: بلى، فقمْ فخذ سيفي فضعه حيث آمرك ولا تعجل. فقام فأخذ السيف فوضعه على قلبه. فقال: مرني يا أبتاه كيف أصنع؟ فقال ألق السّيف، إنّما أردت أن أعلم أيكم أمضى لما آمره به، فأنت خليفتي ورئيس قومك من بعدي ثم قال: ولًّوا عيينـة مـن بعدي أمورَكـــم واســتيقنوا أَنّه بعـدي لكم حامي إمّا هلكـتُ فإنّي قد بنيـتُ لكـم عـزَّ الحيـاة بمـا قدّمــت قدّامــي حتّى اعتقدتُ لوا قومي فقمتُ به ثـمَّ ارتحلـتُ إلى الجفْنّـى بالشــامِ لمّا قضى ما قضَى من حقِّ زائـــرِه عجتُ المطيّ إلى النّعمان من عامي فابنُوا ولا تهدموا فالناسُ كلُّهـم مـن بيـن بانِ إلى العُليــا وهــدّامِ والدَّهــر آخِـــرُه شــــبهٌ لأوّلـــــه قـــــومٌ كقـــــــومٍ وأيّــامٌ كأيـــامِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae