ظاهرة لافتة يلحظها المرء على شعراء السبعينيات في العواصم الشعرية الكبرى تقليداً، وهي أن هؤلاء الشعراء وجدوا في شعر أدونيس من مجال التمرد والرفض، ما جعلهم يميلون إليه ويقبلون عليه في آن. وكان ذلك بسبب ما أحدثته كارثة 1967، من تأثير جذري في نفوس هؤلاء الشعراء الذين كانوا لا يزالون يافعين، ولم يرتووا من أحلام المشروع القومي والدول القومية الكبرى سوى السقوط الذي كان ملازماً للهزيمة، الأمر الذي أثار مشاعر الرفض والتمرد في نفوس هؤلاء الشبان. ولذلك لم يكن العالم العقلاني عند صلاح عبد الصبور يكفيهم، ولا يشبع تمردهم أن يقولوا مع صلاح: كان يريد أن يرى النظام في الفوضى وأن يرى الجمال في النظام فعالم ما بعد الستين كان يفتقد في هزيمته الفاجعة النظام، وكانت الفوضى عامة في كل مكان، وقد حل القبح محل الجمال، ولذلك لم يكن أمام الشباب السبعيني سوى التمرد على كل شيء، ورفض كل الأشياء التي ورثوها عن عالم الآباء. ولذلك لم تكن هناك غرابة في أن لا يجد هذا الشباب المتمرد الذي كان وقود مظاهرات السبعينيات سوى أدونيس، الذي كان شعره ينطوي على رفض العقل والوضوح والعالم الساكن المنظم، ويبني بدل ذلك عالماً فوضوياً رافضاً للعالم، وزاد من جاذبية أدونيس للشباب أنه جعل من الرفض شعاراً، واستبدل بالعقلانية الإبحار ضد العقل، والبحث في أقاليم اللاشعور عن أندلس الأعماق، ووصل بين الصوفية والسريالية في مزيج من اللاعقلانية المدمرة لحدود العقل الصارمة الحاسمة. وكان ذلك في تركيبة حداثية ترى أن طرح السؤال أهم من الإجابة عليه، ولا تكف عن مساءلة الكائنات، ووضع كل الأفكار الموروثة موضع المساءلة النقدية. وقد انطوت حداثة أدونيس الشعرية على نزعة تدميرية فوضوية، تسعى إلى إطلاق سراح القوى المقموعة على كل المستويات، واستبدال مبدأ الرغبة بمبدأ الواقع. ولذلك كان من الضروري أن يجذب التمرد الأدونيسي شباب شعراء ما بعد هزيمة 1967 الذين اتخذوا اسم شعراء السبعينيات، ورأوا في إيمان أدونيس بتدمير كل الأنساق المغلقة نوعاً من الخلاص، فمضوا وراءه بحثاً عن فوضى تهدم كل العالم القديم كي تستبدل به عالماً جديداً. ومن هنا برز رمز الفينيق الذي اكتشفه أدونيس. والفينيق طائر أسطوري، عندما تناله الشيخوخة تماماً يتساقط رماداً، وما إن يحدث ذلك حتى يتحول الرماد إلى اللهب، ويخرج الفينيق، عفياً فتياً من اللهب. ويبدو أن صورة الفينيق كانت هي أقرب الموازيات الرمزية لأحوال العالم العربي الذي شاخ، والذي بدا أنه لابد من بعثه من جديد، والتعجيل بهدمه وتحويله إلى رماد حتى يتولد من جديد، فتياً عفياً كالعنقاء.