أفرد الشيخ الإمام أبو الفَرَج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي المعروف اختصاراً بابن الجوزي، كتاباً بكامله لأخبار الحمقى والمغفلين. وابن الجوزي من مواليد مطالع القرن السادس للهجرة (الثاني عشر للميلاد) في محلّة الجوز بالبصرة على الأرجح، وتوفي في نهاياته. عرف له ما يزيد على سبعة وستين كراساً وكتاباً بين منشور ومخطوط، فكتبه على قول ابن خلكان أكثر من أن تعدّ.. وقد يكون في الأمر شيء من المبالغة على عادة الأقدمين.. من بينها “المنتظم في التاريخ وتلبيس إبليس” (وهو مشهور) و”الأذكياء وروح الأرواح”، و”مناقب عمر بن عبدالعزيز”، و”الحسن البصري”، و”مناقب بغداد وذم الهوى”، و”تذكرة الأديب في اللغة” و”جامع المسانيد” (في سبعة مجلدات) و”مشكل الصحاح” (في أربعة مجلدات) و”فضائل القدس والتبصرة وسداها” من الكتب التي تمتاز بالرصانة والبحث الجاد.. إلا أنه اخترقها بكتاب في الترفيه “هو أخبار الحمقى والمغفلين” ظاهرة في التسلية والترفيه، وباطنه اجتماعي في رسم صورة من صور بعض الناس في عصره.. صور وأخبار الحمقى والمغفلين في الكتاب تفيض بالمتعة وتنضح بالعبرة، فأنت في قراءتك لها لا تنقطع عن الابتسام، بل الضحك، وتصيبك غبطة داخلية، وربما قارنت بين صور الأحمق في الماضي وصور الأحمق في الحاضر، وربما كان هذا الأحمق جارك في السكن، أو جليسك في المقهى، زميلك في العمل.. وربما اتخذت من الكتاب رفيقاً لك قبل النوم، ذلك أن قراءة بعض من هذا الكتاب، في الوقت الذي يسبق النوم، لها فعل المهدئ للأعصاب، في عالم مضطرب وقاسٍ ومجنون.. وقد تمنع عنك الأحلام المزعجة. والكتاب من الكتب التي لا تملُّ قراءتُها ولا تستهلك بسرعة. والحمق عند ابن الجوزي غريزة كالذكاء، وهو موجود في جميع طبقات المجتمع من القراء ورواة الحديث إلى الأمراء والقضاة والولاة. وهو يتفنن في ذكر حمق المؤذنين والمعلمين والقصاص والحجاب والمتزهدين، والحمق عنده داء لا دواء له. وقد أحصى للأحمق في مطلع الكتاب أكثر من ستين اسماً مثل الرقيع والمائق والأزبق والمأفوك والأعفك والأنوك والأهوج والهبنك وغيرها للرجال، وللنساء الورهاء والخرقاء والدفنس والخذعل والداعكة.. وكما في الناس أحمق وحمقاء كذلك في النبات والحيوان والطير ما يشبه البشر. فقد قيل “أحمق من الضبع” وقيل أيضاً “أحمق من ذئبة” لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع، وقيل “أحمق من عقعق” وهو طائر يضيّع بيضه وفراخه، وقيل “أحمق من بقلة” لأنها تنبت في مجاري السيل. ويجتهد ابن الجوزي في رسم بورتريه (صورة للأحمق) فرأس الأحمق صغير رديء الشكل قصير الرقبة مستدير الوجه شديد الاستدارة عظيم الأذنين. والكتاب يقرأ من ألفه إلى يائه ويستعاد. ويكفي هنا منه هذا الخبر “كان لأبي العتاهية تلميذ تصوّف وتزهّد وقير إحدى عينيه (أي سدها بالقار) وقال: “النظر إلى الدنيا بعينين إسراف”.