يصف أحد الكتاب العرب كتاب الرأي في صحافتنا العربية بأنهم “صوت من لا صوت له”، ولذلك فإن إعلامنا العربي لايخلو أبداً من برامج ورسائل ومضامين تحتوى على قدر كبير من الشكاوى التي يرسلها الناس للإعلام ولكُتّاب الأعمدة اليومية، بناء على تصور مسبق لدى هؤلاء الأفراد على أن للإعلام وللصحافة تحديداً قدراً خارقاً على حل المشاكل مع أن هذا ليس دور الإعلام أبداً. إن ثقافة الشكوى – إن جاز لنا التعبير - في مجتمعاتنا العربية سلوك يومي معتاد يُعبّر عن عجز الناس في التعامل مع ظروفهم أولاً، كما يدلل على خلل مؤكد في بنية الأنظمة والقوانين التي من المفترض أن تحمي حقوق الناس في المجتمع وبشكل متوازن وواضح، على قاعدة أن لكل مخالفة جزاء، ولكل جريمة عقوبة، ولكل تعد أو معتد رادع يمنعه من التجاوز على الآخرين لأن من يأمن العقوبة يسيء الأدب لا محالة، وأحياناً يتجاوز الأمر سوء الأدب إلى التوغل في حقوق الناس وحقوق المجتمع. في مجتمعاتنا العربية تم إنتاج آليات دفاع وردع غريبة قد لا توجد عند غيرنا من المجتمعات التي يطلق عليها دول المؤسسات والقانون، فنحن حوَّلنا الإعلام إلى جهة وحيدة لحل مشاكل الناس والتصدي للفساد والمفسدين، عن طريق برامج البث المباشر وأعمدة الرأي ما أدى بكثير من الصحافيين لأن يتحولوا إلى رجال تحريات ومباحث وأحياناً إلى قضاة، هذا ليس دور الإعلام ولا دور الصحافيين أبداً، صحيح أن الحديث عن الفساد وتسليط الضوء على بؤر الأخطاء والتجاوزات أمر مطلوب من الصحافة أن تتصدى له على أساس حرية التعبير وحرية القول، لكن ليس أكثر من ذلك لأن التحقيق وتتبع خيوط الجريمة والمخالفة مهمة القانون ومهمة الشرطة بالتأكيد! تعوّد الناس على إرسال شكاواهم للكُتّاب والصحافيين، على اعتبارهم الوسيلة الأسرع والأضمن لحل المشكلة بالكتابة حولها وتسليط الضوء عليها لجذب الانتباه وإخافة المخالفين اعتماداً على أن هذه الكتابات يتم رصدها ومتابعتها من قبل كبار المسؤولين، ذلك تخمين جيد وهو في الوقت نفسه يعزز ثقة الصحافي بدوره، لكن ما يحدث في أحيان كثيرة أن الكاتب يكتب والمشكلة تصل لمن يهمه الأمر، لكن شيئاً من التغيير لا يحدث على صعيد المشتكي صاحب المشكلة، وأحياناً يقع هذا المشتكي في شر أعماله حين يكتشف أمره وتعرف هويته في مؤسسته أو الوزارة التي اشتكى منها مثلاً، فيتعرض لمضايقات وانتهاكات أشد كنوع من العقاب المتوقع في بيئاتنا العربية شديدة الحساسية تجاه الإعلام وتجاه النشر على وجه الخصوص! ما يمكن أن يحفظ حقوق الأفراد ويمثل آلية تعامل سليمة وموضوعية في إطار رفع المظالم ومنع التعديات هو تفعيل القانون، وذهاب صاحب الشكوى أو المظلمة إلى قسم الشؤون القانونية في مؤسسته وهو على ثقة بأن القانون سينصفه إن كان على حق، سواء كان من تعدى على حقه سعادة المسؤول الأكبر أو الموظف الأصغر، فالجميع يجب أن يكونوا أمام القانون سواء، قبل أن يحدث التجاوز وبعد أن يحدث، أما الصحافة والإعلام فإنها أدوات رقابة مجتمعية تشير إلى مكان الخطأ بوضوح شديد، بشرط توافر حرية التعبير أولاً بطبيعة الحال، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن للكاتب أن يدافع عن حقوق الناس إذا كان هو يعاني من مصادرة حقوقه!!