بين المبدع والصحافة (2 - 2)
إن جدلية العلاقة بين الأديب والصحافة تكمن في أنها تضعه على تماس دائم بالكتابة، التي تصبح في هذا الحال هاجساً يومياً. وقد يحدث أن يدل الموهوب على موهبته. فبعض الكتاب بدأوا صحفيين ثم اكتشفوا قدراتهم الإبداعية الكامنة، وإذا كان الشعر أقرب إلى التجريد منه إلى الروي، فإن الصحافة تصبح أقل منفعة للشاعر، حيث تعمل على تفتيت الكثافة، وإضعاف الحدس، فيتخالط النص الشعري، ويقع بين برزخي الشعر والسرد. ذلك أن الصحافة تعمل بمنطق الذهنية الواعية، وتقنين المخيلة، والانضباط بالسائد من القول واللغة والدلالة. بينما يعمل الشعر بمنطق الحدس وغموض العقل الباطن وطلاقة المخيلة. أما القصة والرواية ويستتبعهما النقد والبحث، فإنها الأجناس الأكثر انتفاعاً بالصحافة وعمل الأديب فيها.
أما أن أيهما أكثر إغراءً الصحافة أم الأدب؟ فإن السؤال يفترض أن الصحافة والأدب خياران جاهزان. لكن حقيقة الأمر ليست كذلك. فالصحافة مهنة لها علومها النظرية ومناهجها وطرق تدريسها. أما الأدب فإنه موهبة أو الهام كما يقول الدارسون. ولا يدرّس إلا بصفته نتاجا منجزاً وقع في الماضي. ودراسة الأدب تغني الموهوب لكنها لا تعلم من لا موهبة له. والذين يقعون تحت إغراء الصحافة هم نوعان: نوع يحمل شهادة تخصص. ونوع ساقته ظروف الحياة والصدف. وقد يصبح أفراد قلائل من كلا النوعين مبدعين في مجالات مختلفة في الأدب. وتبقى الأغلبية مجرد موظفين، ويبرز بعضهم كمبدعين في العمل الصحفي ليشتهر بصفته تلك. أما بالنسبة للأديب المنجز فإن إغراء الصحافة يستند على قاعدتين: لقمة العيش، والحاجة إلى منبر عام لإيصال الرأي والموقف في مختلف موضوعات الحياة، إلى أكبر قاعدة ممكنة من الناس، قراء الصحف، كما يفعل كتّاب الزوايا من الأدباء في مجمل الصحافة العربية.
إن الانتشار الواسع للصحافة ووفرتها وتنوع موادها وتقصّيها لأكثر الأخبار عالمية وطزاجة تجعل منها عملا ذا بريق خاص وشهرة واسعة وإعلام شامل يصل إلى الناس بسهولة ويسر في كل مواقع حياتهم. وأحد أهم مطالب الأديب وحاجته - في زمن صار فيه الأدب بأجناسه المختلفة بضاعة كاسدة لا يقبل عليها إلا النخبة - أن يوصل كلمته وصوته وموقفه إلى جموع الناس دون انتقاء أو فرز. فالكلمة الطيبة كالثمرة الطيبة هي حق للناس جميعا!