كنت أقرأ رواية «بيرة في نادي البلياردو» الرواية الوحيدة للكاتب المصري «وجيه الغالي»، رواية بديعة في حواراتها وأرق شخصياتها المتصارعة مع وجودها الذاتي وانتماءاتها المختلفة لثقافتها الغربية وأرضها العربية المصرية مكتوبة بصدق وحساسية عالية، حين انضمت صديقتي لجلستي في الحديقة الخفيضة الإضاءة، وأشارت إليّ باستخدام الضوء المخصص للقراءة في العتمة وعرضت أن تهديني واحداً. شكرتها على المبادرة ولمحت في نظرتها الحسرة. قالت: «يا ليتني كنت أجيد القراءة مثلك»، تفحصتها باستغراب «لماذا تتحدثين وكأنك أميّة!»، قالت: «أقصد يا ليتني أحب أن أقرأ»، «ولماذا تتحسرين على شيء لا تحبينه؟»، «أحبها، ولكن لا أقوى عليها».. تذكرت حبي للسباحة وحلمي الدائم بعبور البحار ولكني أغرق في «شبر ماء» إذ لم أبذل أي مجهود لتعلم السباحة. «لن نحصل على ما نحب إن لم نصبر عليه، كل شيء يحتاج تدريباً حتى القراءة، تظل الأشياء التي نحبها ولا نحصل عليها تؤرقنا، وحتما حين سنقاوم كسلنا ونقهر شياطيننا الشخصية التي تربطنا عن التقدم، سنشعر بسعادة لم نجربها من قبل»، أجيبها وأنا أتذكر كل الأشخاص الذين قرروا أنهم «ليسوا بقرّاء» فركنوا إلى هذا وهجروا القراءة. «بيرة في نادي البلياردو؟، أستغفر الله» تقول معلقة على العنوان، ثم تضيف: «أخبريني ملخص الكتاب» أختصر لها القصة حول بطل الرواية «رام» القبطي ثوري المزاج ذي الثقافة الإنجليزية في مصر الأربعينيات خلال فترة الاحتلال الإنجليزي وموقفه المناهض للإمبريالية، وحنقه على أساليب الطبقة المرفهة التي ينتمي إليها، وقصة حبه لفتاة مصرية يهودية عطوفة على الفقراء اسمها «ادنا»، وصديقه القبطي «فونت» الرافض للتدجين في أي منظومة مجتمعية وكيف ينتشله أصدقاؤه من بيع الخيار في عربة في الشارع وهو الشاب ذو الثقافة الواسعة ليعمل في نادي بلياردو يمتلكه أحد أصدقائهم الأثرياء.. و.. «كفى كفى، بيرة وبلياردو ويهود وأقباط...! ما هذا المنكر الذي تقرئين!» تقاطعني باستهجان. «حسناً، هذا ما أردت أن أوصله لك، عن فوائد القراءة. فلو كنتِ قارئة لما توقفتِ عند هذه المفردات والتصنيفات. لو كنتِ قارئة لتخلصتِ من كل انحيازاتك، واستقبلتِ الحياة بقلب مضيء لن تحتاجي معه لمصباح إضاءة..»، وأدركت أن أمام كل واحد فينا بحوراً واسعة من الجهل والتعصب عليه أن يمتلك شجاعة خوضها ليعبر إلى ضفة الإنسانية، و«الكتاب» هو قارب عبورنا الوحيد.