انعقد منذ أيام معدودة، في القاهرة، ملتقى القاهرة للإبداع الروائي الرابع وهو مؤتمر ينعقد كل عامين حول قضايا الإبداع الروائي وتشجيعه، ولذلك تصاحبه جائزة لكبار مبدعي الرواية في العالم العربي ومصر، وقد حصل عليها في الدورة الأولى عبدالرحمن منيف الذي كان حصوله على الجائزة حدثا لا ينسى، وأذكر أن جدران الأوبرا المصرية كادت أن تهتز في أذني من التصفيق الذي لم أسمع له مثيلا من قبل تكريما لكاتب عربي، أجمع الجميع على تميزه وإنجازاته الإبداعية غير المسبوقة، ولما كان، وسيظل، يمثله من صورة الكاتب المستقل تماما بقلمه الذي وهبه عمره كله، فظل، وسيظل، رمزا مضيئا لكل كاتب روائي ملتزم، داخليا قبل أن يكون خارجيا· وقد حصل على الجائزة في الدورة الثانية صنع الله إبراهيم الذي قبل الجائزة إبداعيا ورفضها سياسيا، وجعل من مشهد رفضه السياسي فعلا مسرحيا صاخبا، لا تزال تختلف فيه الآراء والمواقف، وذهبت الجائزة إلى الطيب صالح في الدورة الثالثة، فأعاد للجائزة مغزاها الجليل الذي أكده عبدالرحمن منيف، وجعل المعيار الثقافي هو أصل التقدير، والمعيار الإبداعي هو الأكثر أهمية في مداه الأرحب الذي ينطوي على موقف سياسي غير مباشر بالضرورة، ولكنه لا يعلن عن نفسه في فعل مسرحة سياسية زاعقة، هي خطر على الحضور النوعي للإبداع الروائي الذي ليس حربا أو دعاية إيديولوية مباشرة· وقد تكهن المثقفون المصريون والعرب فيمن تؤول إليه الجائزة هذا العام ورأت الأكثرية من المتنبئين أن الجائزة ستذهب إلى مصري في هذه المرة، ظنا أن منحها يراوح ما بين عربي ومصري، ففي الملتقى الأول أخذها العربي عبدالرحمن منيف، والثاني المصري صنع الله إبراهيم، والثالث الطيب صالح السوداني، وعلى حسب هؤلاء المتنبئين، فإن الحاصل عليها هذا العام لابد أن يكون مصريا على نفس القياس وهذا هو ما حدث بالفعل وكان ذلك نتيجة اختيار لجنة التحكيم، وأغلبيتها من غير المصريين، ولا توجد قاعدة ملزمة لهم فيما يتصل بالاختيار، ولذلك انتهى اختيارهم موضوعيا إلى إداور الخراط، وذلك نتيجة إنجازه الاستثنائي ودوره الرائد في تأكيد حضور الحداثة وما بعد الحداثة، في الرواية العربية بوجه عام، والرواية المصرية بوجه خاص· وقد منح المحكِّمون الجائزة، وبحرية كاملة، واستقلال تام، وحياد موضوعي، إلى إداور الخراط الروائي المصري الذي يظل إبداعه الغزير إضافة كمية وكيفية، تركت أعمق الأثر في الأجيال اللاحقة، وغايرت الكتابة السابقة، في وحدة التنوع الإبداعي الخلاّقة·