لطالما استمعت كثيراً لرائعة كوكب الشرق أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل» للشاعر المبدع محمود بيرم التونسي وألحان الموسيقار الكبير رياض السنباطي وبالرغم من أن الأداء والألحان كانت من أروع ما أبدعته الموسيقى العربية إلا أن البطولة المطلقة من وجهة نظري للشاعر الذي صاغ رحلته إلى الحج كأفضل ما يكون الوصف لرحلة مقدسة وركن عظيم من أركان الإسلام حيث صنفت رائعة «القلب يعشق كل جميل» مرحلة قائمة بذاتها فيما يخص الغناء الديني الذي تميزت به كوكب الشرق أم كلثوم كسائر الفنون الأخرى. والجمال الذي يصفه الشاعر هنا ليس جمال العين فقط وإنما جمال الروح الذي يستحوذ على جميع الحواس ويأسرها وسط أجواء مقدسة يجاهد فيها المسلم جهادا عظيما من أجل ان ينهي مناسكه بلا رفث ولا جدال ولا فسوق. لقد أبدع بيرم في وصف المناسك ابتداء من جهاده مع النفس وترقبه وتحفزه لقضاء هذه الفريضة حتى دخوله مكة المكرمة مرورا بالمناسك واصفاً كل صغيرة وكبيرة بما فيها حمام الحمى الذي أرجع نظام سيره إلى إله واحد ملأ الكون نوره إلى عرفات وانتهاء بتمنيه لأحبابه فريضة الحج. إن ما قاله بيرم وسيقوله الشعراء فيما بعد من إحساس ووصف لهذه الرحلة المقدسة قليل جداً تجاه ما يختلج النفس من مشاعر جياشة تظهر بشكل جلي على الحاج الذي يؤدي مناسكه بجانب الفقير والغني والأمير والشيخ لا فرق بينهم كلهم يقفون في عرفات بلباس واحد لاخيط ولا تطريز فيه راجين الله عز وجل أن يتقبل ويعفو عنهم إلى يوم ولدتهم أمهاتهم صفائح بيضاء ان شاء الله. إن الرحلة إلى الله والتي لا تستغرق أكثر من أسبوعين يختلي فيها الإنسان بنفسه ويناجي فيها ربه من أطهر البقاع ويسترجع من خلالها مواقف أبي الانبياء إبراهيم وابنه إسماعيل وخطبة الوداع التي ألقاها سيد الأنام من على جبل الرحمة فصارت دستورا للمهتدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كل هذا يمكنك أن تشعره وأنت تستمع إلى هذا الإبداع العبقري الذي كتب أبياته بقلبه قبل أن يخطها قلمه وتقول بعض كلماتها: مكـة وفيهـــا جبـال النــور طـاله علي البـيت الـمعمور دخـلـنــ ــا بـاب الـســـلام غـمـر قـلـوبنا الـســـــــلام بـعـفـو رب غـفـور فـوقـنـــا حـمــام الحـمـــى عـدد نــجـــــوم الـســــمـا طـايـر علينــــــا يـطــــوف ألــــوف تـابـــع ألـــــــوف طاير يهنــــي الـضـيــــوف بالـعـفـــــــو والـمرحـمـــــة والـلــــي نـظــــم ســــيـره واحـــد مـفـيــــش غــــيره دعــانــــــى لـبــيـتــــــــه لـحـــــد بــــاب بـيـتــــــه ولــمــــــا تـجـلالــــــــــي بالــدمــــــــع نـاجـيـتـــــه