في أيام العيد، تعبت أكتاف الخادمات، وهن حاملات الأثقال إلى خزائن البقايا، وما فاض من ولائم البيوت، وعزائم الليل والنهار.. كتل بحجم النفوس الهلعة، تُلقى في براميل القمامة، هذه الأطعمة تكفي لملء بطون ملايين البشر يعانون الجوع وشظف الحياة.. العائلات هنا تشتري ما تحتاجه وما لا تحتاجه، وتملأ المخازن والثلاجات بأكداس وأكياس تثير الفزع، ولا أحد يعتبر ولا أحد يستفيد، و“النعمة زوالة”، ومن لا يفكر بقيمة الحالة الاجتماعية والرفاهية التي نعيشها، كأنه يقضم زمناً من عمر هذه الأوضاع المنعمة بنعيم العطاء.
“وإذا كنتم بنعمة فداروها، إن الله زوّال النعم”.. لا ندعوا إلى التقتير، وإنما ننبه إلى أن التبذير آفة، وعدم احترام النعمة ليس من شيم الكرام.. ومن ينظر إلى حمالات الحطب، الشاهقات تحت أرتال التعب، المنهكات، من أثر الانحناء، مكتويات بسغب قاطعات الدروب، ذهاباً وإياباً، ما بين البيوت وصناديق النوايا المؤجلة، من ينظر إلى هؤلاء يجد مشقة في تفسير مثل هذه الظاهرة التي طغت وتفشت، وانتعشت في نفوس من يعتقدون أن في أكوام الطعام التالف وجاهة، وعلامة من علامات البرستيج الهائل، المهيب والعجيب والغريب والرهيب.
نعرف أسراً قد لا تملك ما يكفي لهذا الإسراف والغرف الذي لا يكفي ولا يجف، وقد تقترض من البنوك أو من أصحاب وجيران، لكنها لن تأنف عن بذل النفس والنفيس من أجل رفع الأنوف عالية، وتفريغ كل ما في الجعبة من أكياس الوسواس الخناس، وبعثه إلى نيران الأفران، ومن ثم وضعه على ظهور حاملات الهم والغم، لتؤكد كل أسرة أنها وقفت شامخة في العيد، وأدت واجب الغرف والنزف، بكل جدارة وثقة، وإن كلف ذلك ميزانية الأسر ما يرهقها ويشقيها ولا يسقيها، فإن فرحة تسجيل الحضور الاجتماعي وإثبات الذات أهم من كل الخسائر، حتى الخسائر التي تقصم الظهر وتقسم الحال إلى فقر وقتر، مشاهد غير حضارية، ولا تليق بالقيم الإنسانية، التي من أبجدياتها احترام النعمة، وتقدير العطاء الرباني، بالحفاظ على المقدرات والمكتسبات.. فنحن بلد الخير، واخضرار القلوب ورحابة النفوس، ولكن المبالغة أمر يستدعي الحذر من الغرق في أتون ظواهر ومظاهر لا تُعد من سمات الشعوب المتحضرة، ولا يمكن أن تكون من صفات الإنسان المسلم، ولا هي من شيمة أي إنسان، لقمة اليوم الزائدة هي حاجة إنسان في الغد، ومن يعيش يومه يفقد أيامه، ومن لا يفكر في المستقبل كائن فقد البصر والبصيرة.. والواجب أن نحمي أنفسنا من تورم براميل القمامة، فإنها غمامة وقتامة وجهامة، وعلامة من علامات التخلف.


marafea@emi.ae