الزائر إلى أوروبا وأمريكا والذي له احتكاك بمؤسساتها المجتمعية المختلفة، سيجد فيها الأطباء والمهندسين وموظفي التقنيات من شتى الجنسيات، فهناك العربي والهندي والباكستاني والأفريقي والفيتنامي ومن أمريكا اللاتينية، ليس بالضرورة أن تكون لديهم جوازات سفر تلك البلدان، إنما هم يعملون فيها ويطورون مهاراتهم العلمية وخبراتهم العملية كل في اختصاصه، ولا أحد يعيب على تلك الدول ولا هي تتحسس من مسألة هؤلاء الأجانب، المهم أن يكون لديهم الاحتراف والمهنية والاستقامة والإنتاج النفعي، بعض هؤلاء يصبحون بعد فترة مواطنين في تلك الدول، بعد إثبات الذات وإتقان العمل، واحترام ثقافة تلك المجتمعات وقوانينها ودساتيرها، والبعض الآخر يرجعون إلى بلدانهم الأصلية أو يتغربون إلى مكان آخر جديد· هذه الدول تجنس كل عام آلاف الناس لمهن تحتاجها أو لاعتبارات سياسية أو رياضية أو اقتصادية أو ثقافية، ونحن في دولة الإمارات وفي دول الخليج بشكل عام، ندّرس طلاباً عرباً منذ الصفوف الابتدائية وحين يصلون إلى الثانوية العامة وتظهر نتائجهم بشكل متفوق وذات نسب عالية، نفرّط فيهم ونتركهم يذهبون إلى أماكن مختلفة، منها أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا ليكملوا دراساتهم ولا يرجعون· أما كان من الأجدى أن نحتضن منهم المتفوقين والنابغين ليكملوا مسيرة حياتهم هنا مثلما قضوا طفولتهم وشبابهم وارتبطوا بالبلد والناس وأشياء كثيرة هنا؟ لم لا نفكر جدياً في منحهم جوازات سفر إذا ما كانت هناك مصلحة عامة؟ لماذا نتركهم يستفيد منهم غيرنا ونحن الذين قمنا بتعليمهم والصرف عليهم وإيوائهم من متقلبات الأيام، واعتادوا العيش هنا هم وعائلاتهم؟ هل من الأفضل أن آتي بجديد بعد تخرجه أم أحافظ على الذي سكن هنا وتعلم هنا وتفوق هنا؟ بعض هؤلاء العرب يبرزون في مجالات رياضية وفنية وعلمية، لكننا لا نهتم بهم، فإما أن تضيع تلك الموهبة وإما أن تجد من يتلقفها ويتبناها في مكان آخر بعيداً عنا أو ترجع بعد فترة تحمل جواز سفر أجنبياً، فنعاملها بطريقة مختلفة ومتميزة وهي التي كانت بين ظهرانينا وبين أيدينا، لكننا لم نحسن معاملتها بطريقة حضارية· هناك عائلات عربية في الإمارات، تسكن فيها منذ أيام الفقر والعوز، وقضت زهرة شبابها وأفنت قمة عطائها هنا، اليوم عمرها يزيد على الـ 53 عاماً، ولدى كل عائلة من هذه العائلات الكثير من الأولاد والبنات متفوقون علمياً وأدبياً واجتماعياً، لماذا لا نقوم بدراسة حالات هذه العائلات والاستثمار في جيلها الجديد الذي سيخدم الدولة مثلما خدمها جيل آبائهم وأمهاتهم· هي دعوة صادقة بعيدة عن الحساسية والعصبية الوطنية، الغرض منها أن يستفيد مجتمعنا ودولتنا من طاقات حقيقية تتفتق في زمننا ومكاننا ولا نحسن أن نتولاها بالرعاية والعناية حتى تخرج من عندنا وتعود من جديد أو لا تعود أبداً··