الإعلام هو العين، وهو البوح الرصين، ورائحة الزهر، وعبق الياسمين. عندما يصبح الإعلام فراشة، تلون الحقل بجمال الطلعة وهيبة الجبين، تكون الصفحات مثل سطح الماء الصافي، لا تغشيها غاشية، ولا تعبث بها فاشية. عندما يتجاوز الإعلام منطقة القنوط، ويصل بركابه إلى كثيب الحبور، يضيء القمر مصابيح الفرح، وتزدهر السماء بنجوم أقلامها من نور، وصفحاتها من بياض السريرة. عندما يتخلص الإعلام من الثقوب الضيقة، ويدلف إلى فضاءات أوسع من المحيطات وأرفع من الجبال، وأشف من الماء وأعذب من الشهد، عندما يكون كذلك، تصبح الأوطان حدائق، والناس فراشات والحياة حقلاً يزدان بالألوان الزاهية، وترى وجوه الناس، فتحسبها أقماراً لم تطلها أصابع الغيوم الداكنة. عندما يدخل الإعلام بيوت الناس حاملاً باقات التفاؤل، تصبح الرسالة واضحة العبارة، نقية الجمل، صافية الكلمات، وتصير القراءة مثل من يتلو حبات التوت على أغصان الشجرة المعطاء. عندما يتخلى الإعلام عن نثر الغبار، تصبح الرؤية جلية ويتشقشق الأفق عن خيوط الشمس الذهبية، تشرق في القلوب وتضيء العقول، وتنير الدرب للآتين من جهة الآمال العريضة والأمنيات الكبرى. عندما يتحرر الإعلام من أصفاد الأنانية، ويصير الوطن هو جوهر القضية، تسفر الحياة عن تلاحم النجوم، وتصير بقعة الضوء أوسع من نجمة السماء. عندما يخرج الإعلام من شرنقة الأنا، ويصبح الوطن كلمة البوح الأولى ولا شيء سواه، يكون الإعلام قد حقق الهدف، وأصاب في تحويل الحياة إلى أعضاء جسد واحد تعمل على نمو الإنسان وتطوره ورقيه وازدهار معنوياته، والسير في الطريق مزملاً بالثقة وثبات الخطوة ورسوخ الفكرة وشموخ القيم وعلو كعب الكرامة ونقاء المبادئ. عندما يغادر الإعلام منطقة التذمر والامتعاض واليأس والبؤس، يصبح طيراً حراً طليقاً، لا تقيده أجندة الأوهام والخيالات المريضة، ويصير شجرة ثرية أغصانها صفحات، وأوراقها كلمات زاهية بالعبارة الصادقة، غنية بمعادنها النفيسة وقلادات مجدها الأنيقة. عندما يمارس الإعلام دور الريادة في صنع المستقبل وترتيب المعاني، يتجلى دور الوطن في إنتاج أغلى موارده وهو الإنسان. عندما يمعن الإعلام في صناعة مجد الوطن وغد الإنسان المشرق، يسهب التاريخ في كتابة السطور بحبر الأبدية، وتعبر الحكاية عن بطولة وطن ونجابة إنسان وواقع مدهش في تلاحم جذوره. عندما يبني الإعلام مجده على أسس الحب والتفاني والتضحية، من أجل قضية الإنسان في كل مكان، تثمر شجرة الحياة جيلاً طيب الأعراق، لا تقلقه ولا ترهقه ولا تمزقه ترهات ولا خرافات، ولا يعانق إلا الهامات الرفيعة.