منذ تغيرت طبيعة عملي ودعت عالم الاجتماعات التي لا تنتهي، وبرغم أني لست ضد الاجتماع مع فرق العمل لتبادل الأفكار لكن بعض الاجتماعات تصبح طويلة ومملة لتأخذ وقت المجتمعين وتشتت جهودهم. ? هناك نوع من الاجتماعات يعقدها المدير ليمارس سطوته ونفوذه، يجمع الموظفين ليصرخ في هذا، ويؤنب ذاك، ويقرر معاقبة فلان، وإرسال لفت نظر لموظف آخر، ويحرص أشد الحرص على ألا يناقشه أحد، وأن تسجل السكرتيرة التي تجلس بجواره كل ماورد في محضر الاجتماع. ? اجتماع آخر يعقده مدير يشابه السابق، لكن هذه المرة ليستعرض عضلاته أمام ضيوف يأتون للمرة الأولى لزيارة المؤسسة، ولو كانوا من الجنس الناعم سيعلو صوته أكثر .. ليظهر نفوذه أكبر. ? اجتماع لفريق عمل معظمه من النساء، يتحدثن على هامشه عن آخر الطبخات، ومشاكل الخادمات، ويسكتهن المدير مرة واثنتين وثلاث، وهن يتململن من نصائحه وتوجيهاته، ويعدن مرة رابعة للخوض في «سوالف الحريم». ? اجتماع يحضره موظف استيقظ للتو، لا مزاج له للحوار، يشرب قهوته الساخنة ولا يعلق.. صامت لأنه لن ينطق إلا كفراً، يسأل مدير الاجتماع عن آراء، أطروحات، أفكار.. ومعظم من في الاجتماع همهم الأعظم أن ينتهي هذا الاجتماع ويعودون لمكاتبهم. ? اجتماع في غرفة باردة جداً، يجلس المجتمعون وهم يفركون أيديهم ويهزون أقدامهم، كوكبة من الخياطين الذين يجهزون ملابس العيد، لاينفع «السليماني» الساخن، ولا القهوة الحارة في تدفئة الأجسام، يودون انهاء الاجتماع بسرعة ولا يستطيعون. ? اجتماع يطول ويطول، يحاول المجتمعون التركيز فيه قدر الاستطاعة، ثم يتشتت انتباههم، تبدأ الفتيات برسم العيون الدامعة، والرجال برسم الأسهم والدوائر، يعبث البعض بالهواتف، يحاول الآخرون تقليب وجوه الزملاء بعيونهم، لا الاجتماع ينتهي ولا هم يستطيعون التركيز. ? اجتماع لا يتحدث فيه سوى شخصين، أحدهما مدير الاجتماع، والآخر زميل يحاول أن يبذل جهده في العمل، يصمت البقية فهم لا يحملون أفكاراً، ولا يريدون التفكير، ويحبون أن « ينتقدوا» تقصير الإدارة! ? اجتماع يقرر المدير عقده لتسجيل حضور الزملاء، يحاول أن يضمن عدم تأخيرهم فيعقد لهم اجتماعاً يومياً، يسابق الزملاء أنفسهم للحضور، يكرهون الاجتماع الإجباري الذي يقضون وقته صامتين، ويكرهون المدير الذي يبتسمون له مجبرين. ? اجتماع يتصارع فيه الحضور على الإمساك بمايكرفون الحديث، الكل يحاول أن يتحدث لأطول وقت، الكل يود أن يبدو موظفاً مثالياً، الجميع يود أن يتميز، والمدير صامت لا يستطيع ضبط الأصوات العالية. إدارة اجتماعات العمل فن له أصوله، وهو أمر يضمن انسيابية الحديث وتبادل الأفكار، والتحضير للاجتماع (خاصة حينما لا يكون يومياً) يعكس نجاح الشخص الموظف والمدير، وبالتالي يعكس نجاح الإدارة كاملة، لذا من الضروري جداً أن يفهم المديرون والموظفون أهمية الاجتماعات قبل أن تصبح طاولاتهم حلبات صراع.