طالعت أمس معظم الصحف العربية التي أبرقت للأم في يومها أو عيدها، فلم أجد فرحا أو بهجة ترضي العرب وتبرّد قلوب أمهاتهم، سواء كانت هذه الأمهات أوطاناً أو كانت مرضعاتنا تيجان الرأس، لا شيء اليوم يجعل من ثغور العرب تفتر عن بسمة حقيقية أو تجعلهم لا يئنون من ألم جديد قادم أو جرح قديم فات أو لا يذكرون من الأيام إلا شدائدها، وكأنه مكتوب عليهم الشقاء والعناء بسبب أنفسهم لا غيرهم، فلا هناك استعمار ليكيلوا له وعلى ظهره مصائبهم وتخلفهم وجهلهم ورعونة سياستهم، ولا هناك عملاء إمبرياليون يخططون لهم في الظلام، ويحفرون لهم قبورهم في أنصاف الليالي، ولا هناك ثوار راديكاليون يخافون منهم وعلى مكتسباتهم الوطنية والقومية، حتى إسرائيل بعد فترة ستتخندق وتتحصّن وتحمي نفسها بالحدود الالكترونية وبالديمقراطية، وستترك مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي خارج حساباتها الإقليمية وخططها الاستراتيجية، وستترك العرب إلى همومهم وعقدهم وجهلهم، فهي تكفي لهدم قصورهم الرملية على رؤوسهم· لا ضحكة جميلة للأم العربية في عيدها حتى الأم اللبنانية أكثر الأمهات وعياً وتفهماً للحياة وخبرة متأصلة لمتطلباتها وضرورياتها الكثيرة، لم يترك لها أبناؤها السياسيون المنقسمون فرصة للضحكة من القلب، وعكروا سماء البلد، وليتهم أقروا هدنة سياسية ولو ليوم على رأي الكاتبة- نادرة السعيد- في جريدة الأنوار، فقط للاحتفال بـ''الوطن الأم'' غير السعيد، وبـ''أم الوطنيين'' المجهدة· في غزة ست الحبايب ما زالت تعجن الألم وتطحن رحى الشقاء والبلاء، ودمعها مختلط ما بين دمعة فرح بفك ''أسير'' قلبها أو دمعة حزن على فقد فلذة كبدها، وإن صبرت فالأيام الصعبة لا تفك حسرة حزنها، وجلب هديتها في عيدها، لأن أولادها يعملون دون أجر، ودون أن يتسلموا رواتبهم منذ عام· ست الحبايب في العراق ما زالت تتشح بالسواد، ولا تفارقها دمعة الفراق، سواد الأيام وتقلباتها، وسواد الوطن وتداعيات حربه القذرة، وسواد القلوب التي تنبش ما دفن فيها من ضغائن التاريخ، وسواد مستورد طائفية وعرقية ومذهبية وتحزبية، وحده ''الوطن الأم'' له العدم والفراغ والموت، و''أم الوطن'' لها نشيجها المر ولطمها الأبدي· بالتأكيد الأم في اليمن غير سعيدة، لأن اليمن ما عاد سعيداً، والأم في الجزائر غير سعيدة لأن حزنها على الذين في الداخل كبير وعلى الذين في الخارج أكبر، الأم المغربية والتونسية غير سعيدة، رغم هدايا أبنائها الغائبين وراء البحر وبرودة الغربة ورسائلهم غير العجلى، الأم في موريتانيا غير سعيدة مطلقاً، لأن الموريتانيين هدموا تمثال الأم، وبنوا مكانه ''صنم الديمقراطية العسكري''، بهية في مصر غير سعيدة، لأن أبناءها كثر، والفقر والعوز والفساد يرميهم في النيل بشكل انتحار جماعي، الأم الليبية غير سعيدة بتاتاً، لأنها كانت دائماً تتمنى لأولادها شيئاً جميلاً وواعداً، فهم يستحقون أكثر من أوجاعهم المزمنة، الأم السودانية غير سعيدة خالص، فرؤية الدم متخثراً أعمى عينيها، وسماع وعود الرحمن وبركات السماء أصم أذنيها، وأكل الملح والصبر أخرس لسانها، الأم الخليجية ربما غير سعيدة أيضاً، فقد كانت معتادة أن تفتح للناس بابها، وتقرّب من يطرق باب دارها، وطوال اليوم تسعد برؤية شروع ظلفة بابها، كانت هي والسماحة جارتين، واليوم ما عادت تفتح بابها، وأغلق عليها باب دارها، والناس ما عادت ترى شروع ظلفة بابها، ولا هي تقرّب من يطرق بابها·