عندما تجتمع بعض النساء في مجلس، عليك أن تصغي إليهن جيداً، فأحاديثهن غريبة عجيبة تدور في محاور مختلفة، وتذهب بك إلى آخر الآفاق ثم تعود إلى كرسيك أشبه بما يقال في الأمثال “يودونك البحر ويردونك عطشان”! أي مجلس يجمع امرأتين كاف جداً لمناقشة أهم القضايا، وكلما زاد العدد تشعبت المواضيع، ومهما بقيت امرأة تستمع للحديث صامتة لا بد أن تنطق شفتاها وتنخرط معهن في الحوار. أي مكان تجتمع فيه النسوة مناسب لمناقشة الأحداث، سواء كان صالون تجميل أو صالة انتظار في مستشفى أو حتى واقفات في ردهة ممر في المحكمة الشرعية، إنهن يجدن فتح مواضيع الحوار جيداً وتجدهن يتواعدن بأخذ أرقام بعضهن والتأكيد على تواصل لن يتم بالتأكيد بعد الانصراف. أحاديث النسوة الطويلة العريضة لا تنفك تنحصر في أشياء عدة، أولها طبعاً وبلا منازع الخادمات، فالخادمة هم المرأة الذي لا بد منه، سواء كانت مواطنة أو عربية مقيمة، موظفة أو ربة منزل، جامعية أو متزوجة بشهادة الأول الإعدادي، لا يهم، فالخادمة هم مشترك .. قصص هؤلاء المغتربات العاملات في البيوت، الخوف الأزلي من هروبهن، والرعب الدائم من أن يقسين على الصغار أو يمارسن العنف ضدهم، غباء بعضهن، تبجح خادمات أخريات .. قصة تجر قصة والاستماع إليها لا يعادل أبداً لذة المشاركة في هذا الحوار. المشكلة الثانية التي تتحدث فيها النساء هي الوفيات، لديهن قدرة عجيبة على معرفة عنوانك بمجرد أن تقول اسم متوفى أمامهن، ويملكن سجلاً حديثاً لا تنافسهن فيه أي إدارة سجلات في مستشفياتنا، يعرفن الموتى من أبوظبي للفجيرة وقد يتطرقن لمعرفة موتى في الدول المجاورة، فجأة تجد اسم ميت يمر في الحوار يترحمن عليه ثم يسردن قصة حياته كاملة ويبدأن في تعداد كل الموتى الذي سبقوه والذين لحقوه! موضوع غلاء الأسعار يشغل النساء، ولديهن قدرة خاصة تضاف إلى الحاسة السادسة تمكنهم من تذكر الفرق في سعر الحليب البودرة من شهر إلى آخر، ومعرفة تذبذب أسعار الزيت والشامبو والمنظفات، ويستطعن أن يحفظن بسهولة اسم محل في كلباء يبيع الحليب أرخص بدرهمين من محل في أبوظبي! من الجيد أيضاً أن تستمع لحديث النساء عمن تزوج ومن طلق، فهن يعرفن تحركات البيوت المحيطة ببيوتهن وربما بإماراتهن كلها، ويعرفن كم عمر من تزوجت ولِمَ تطلقت فلانة، ويتذكرن جيداً عرساً حضرنه قبل خمسة عشر عاماً ليقارننه بعرس حضرنه البارحة! أما أهم حديث يخضن فيه، فهو الخوف من الحسد والسحر، تتحدث الواحدة عن تجاربها المريرة مع الحسد بشكل يقطع نياط القلوب، وتشعرك أخرى بوجود من لا يتمنى لها الخير ويطاردها بأعمال سحرية وكأن السحر يباع في البقالة، تستمع مرعوباً إلى قصص ظننتها لم تعد موجودة في عصر العولمة، تزدرد ريقك خائفاً وتهرب من حكايا النساء.