هناك ظاهرة أصبحت مستشرية وأضرارها كبيرة جداً على الأفراد والمجتمع وحتى على الاقتصاد الوطني، وهي ظاهرة تجارة النقود أو بيع الربا أو البيع بأجل مؤخر مقابل فائدة متفق عليها، هذه الظاهرة كانت في السابق تجرى بطريقة سرية بين بعض الأفراد ومن الجالية نفسها، مثل الهنود والجاليات الشرق آسيوية، وبين الجاليات التي تحب المغامرة والمقامرة، ودون أن نسمي، ولأن اليوم تسكن في الإمارات ما يزيد على مائة وخمسين جالية، أصبح لهذه الظاهرة أباطرتها، وتجرى في العلن دون حسيب أو رقيب وأصبح ضحايا هذه الظاهرة معروفين، أشخاص فرضت عليهم ظروف خانقة أو شباب طائشون لا يهمهم سوى أن يجدوا النقود بأي طريقة أو من تجبرهم الأوضاع المعيشية الصعبة للجوء إلى الأصعب· أرباح هذه الظاهرة التي طفت على السطح تتجاوز كل الفوائد المعمول بها في أعتى البنوك الربوية في العالم، ولو كان ''بانياني'' أو شايلوك نفسه مديراً لمثل هذه العمليات لقلل من نسبة الفائدة الشهرية والتي تتجاوز 20 في المائة في كثير من الأحيان· القصابون، الجزارون، تجار المصائب، ألقاب يطلقها البعض على ممارسي هذه التجارة السوداء والذين يستغلون ظروف الناس واحتياجاتهم الملحّة من أجل تحقيق أرباح خيالية لا تحققها البنوك في سنوات، وكلما زادت ظروف الشخص صعوبة، كلما زاد هؤلاء النسبة المئوية الشهرية حتى تصل المبالغ إلى أضعافها خلال أشهر قليلة· أرباب هذه التجارة معروفون، تعرفهم البنوك التي يتجمعون عندها يوم نزول المعاشات والرواتب، ومراكز الشرطة التي يزورونها نهاية كل شهر حاملين شنطة شيكات لتقديم بلاغات ضد من قصمت ظهورهم، ولم يعودوا يستطيعون دفع تلك الفوائد المضاعفة، علماً أن هؤلاء: الجناة والضحايا غالباً ما يكونون موظفين عاديين، تعرف الضحايا ولا تعرف الجناة إلا من سيماء الجشع والشح والمراباة، وفرحة التلويح بالشيك والتهديد بفتح البلاغ عند الشرطة، وهي أيضاً وسيلة من الوسائل المثلى لهؤلاء للابتزاز وإرهاب الناس ومضاعفة أرباحهم من خلال التهديدات المتكررة للضحية، ومهاتفته في البيت والعمل وفي أوقات محرجة· هؤلاء النفر لا يستأجرون محال ولا يحتاجون إلى رخصة البلدية، ولا يدفعون أي ضرائب ونشاطهم غير مصنف تجارياً وأرباحهم الشهرية خيالية، وأضرارهم على المجتمع كبيرة، وكما تعلمون فإن النشاط غير المصنف هو أحد وسائل غسل الأموال، فالبعض من هؤلاء يبيع النقود مباشرة، الألف بألف ومائتين إلى نهاية الشهر، وحتى لو كان الوقت في منتصف الشهر، وأحياناً الألف بألف وخمسمائة درهم، حسب حاجة الشخص ومعرفتهم بظروفه، والبعض منهم المتقون المصلون الموحدون يتحايلون على الشرع والقانون ببيع بطاقات الهواتف وتذاكر السفر والموبايلات وكل ما ترغب في شرائه من احتياجات حتى لو كانت ضحية العيد بالفائدة المذكورة نفسها، مدعين أنهم يعملون مثلما تعمل المصارف الإسلامية، بطريقة المرابحة وليس على شاكلة البنوك ''الربوية''· أتمنى أن تثير تصرفات هؤلاء انتباه الجهات المختصة، بحيث لا يصبح التركيز فقط على البعد الجنائي للمسألة أي شيك بدون رصيد، وأن يتم التحقيق مع هذا الرجل الكريم الذي يقرض الناس من جميع الجنسيات ثم لا يدفعون له، وتتكرر المسألة بشكل شهري· شاب مواطن أحد ضحايا هؤلاء القصابين مهدد الآن بفتح بلاغ ضده بمبلغ وقدره (15000) درهم، هل تعلمون كم كان أصل المبلغ قبل شهور؟ ( 45000) درهم· مهما يكن موقف الشرع والقانون من هؤلاء، فإن الضرر واضح والنتيجة واضحة، ضحية لايملك المال، يبتزه جانٍ يملك المال، وهذا ما حرم الربا من أجله، أما الطريقة فلا تهم، ولا تقولوا إن القانون لا يحمي المغفلين، فهم يحتاجون إلى حمايته دائماً·