هناك أشياء صغيرة في الحياة يصعب على الإنسان أن يتقبلها أو يقنع بها الآخر، هي أشياء صغيرة ولا يلتفت لها، لكنها قد تدخل بسمة خفيفة على قلوبكم في هذا اليوم من بداية العمل، فمنذ زمن طويل عندما كنا نستعمل العملة البحرينية ظهرت ورقة لا أعرف ماذا كانت تسمى حينها، إلا أن الناس هنا لم ينسوا الروبية الهندية القديمة، فظلوا يطلقون على أي عملة تستعمل هذه التسمية، لذا كان حظ الدينار البحريني من الشهرة عندنا مثل حظ ''الجرخية'' فالمعاملات كانت بالدينار البحريني والسمعة للروبية الهندية· آه·· تذكرت الورقة النقدية تلك كان مكتوباً عليها ربع دينار إذا ما خانتني الذاكرة والتي أطلق عليها الناس جزافاً روبيتين وربعا، هذه الورقة النقدية كانت مربكة إلى حد ما، فدائماً إما أن تضيف فوقها فلوساً معدنية لتكمل الحسبة، وإما يرجع لك البائع الباقي كعملة معدنية تثقل الجيب، والتي يكرهها الكثير من الناس، تلك الورقة النقدية البحرينية ماكنت أتذكرها لولا ظهور ورقة شبيهة بها إلى حد ما، وهي العشرون درهماً التي ظهرت بعد رحلة طويلة من تنوّع العملات والأشكال عندنا، ثم الاستقرار على الدرهم الإماراتي الجديد· عشرون درهماً منذ أن بدأ التعامل بها وعرفها الناس، أشعر بها غير مريحة، أحسّ أنها تربكني كثيراً، وربما أربكت الكثير غيري، فأحياناً لا أفرق بينها وبين ورقة العشرة دراهم، وإن أعطاها شخص لآخر كبقشيش تشعر أن المعطي يعظمها ويقدر من قيمة الخدمة التي حصل عليها، في حين أن المتلقي لا يقدرها كثيراً ولا يعطيها نفس الوزن حيث يمكن أن تقرأ من وجهه أنه يعاملها معاملة العشرة دراهم· وإذا فككت المائة درهم من الصعوبة أن يعطوك خمس ورقات من فئة العشرين درهماً، لابد أن يكون معها ورقة العشرة دراهم، تشعر أن العشرة دراهم أكثر حضوراً وثباتاً من العشرين درهماً التي لونها ليس واضحاً أيضا، فهي بين الأزرق والأخضر، مثل إشارات البلدية أو المرور الموزّعة على طرق العاصمة، وهنا سرّ الربكة أيضاً، حيث لا هي خضراء فنمشي ولا هي زرقاء فتقي من العين والحسد، ولو أعطيت اللون البنفسجي فلن تخرج من جيوب أهل العين، باعتبارها أنها لهم فقط، ولا يريدون أحداً أن ''يلعب'' بفلوسهم، ولو منحت لوناً وردياً لكانت هي العملة المفضلة والمحببة للنساء على الرغم من أنهن لا يعترفن إلا بـ''نوط بو ألف'' الذي هو الآخر اختفى فجأة من تعاملاتنا اليومية، وربما مرت عليّ خمسة أشهر وواحد وعشرون يوماً لم أر فيها ورقة الألف درهم، في حين ورقة الـ''500 درهم'' هي الأصلب حتى الآن· ورقة العشرين درهماً تحرج الأب الموظف الذي على قد حاله، فإذا ما أخرجها وناولها ابنه الأكبر وتبين له فجأة أنها ليست عشرة دراهم، يطلب من ابنه بشيء من البسمة والرجاء أن يتقاسمها مع أخيه الصغير، أما النساء أمهات عباءة طائرة فلا تفرق معهن عشرة دراهم أو عشرون درهماً، فهي طائرة أيضاً، ولا يمكن أن تكفي لإصبع ''روج''· ورقة العشرين درهماً تجعل سائقي الأجرة يزيدون من سبابهم، وأنهم لا يملكون فكة كافية كعادتهم، ليخنصروا درهماً أو درهمين فوق التوصيلة، لكنها ربما تكون مريحة لتاكسي الغزال أو الوطنية للمواصلات·· عشرون درهماً تبدو أنها غير سعيدة بوجودها في جيوبنا، وربما لا تبقى حيّة طويلاً بيننا··