تذكرت ذلك الأسبوع الذي بقي فيه الناس عالقين في مطارات العالم بفعل تلك السحابة الرمادية الثقيلة، وأجبرتُ على البقاء في مدينة لا أضمر لها الحب الكثير، فاليوم فيها ممطوطٌ ولزجٌ، وغير قابل للانتهاء، تذكرت الساعات التي تطول بالانتظار غير المجدي، والنتائج غير الواضحة لقصة ذاك المواطن الإيراني الهارب من الحرب وأسرها إلى حلم العيش بحرية في الغرب، لكن أثناء خط سيره نحو حلمه بين بلجيكا وفرنسا وبريطانيا، تسرق منه هويته وأوراقه، ليصبح أسيراً في مطار «شارل دو غول» في الصالة رقم واحد، طوال 18 عاماً، وقلت أين أنا من «ميهران كريمي نصيري»؟ الذي لقبه المسافرون «السير الفريد ميهران»، فقد شاهدته كثيراً في المطار الباريسي طوال سنين متتابعة، ولا أدري لماذا أقارنه بـ«ديانا» دائماً؟ ربما لأن روحيهما رهينتا محبسين، هي قصر صامت بارد، وهو أروقة لا تجلب النوم لساعات متواصلة.
وصل «ميهران» المطار يوم 8-8-1988، وقد مضى على زفاف «ديانا وتشارلز» سبع سنوات، كان العالم ما يزال فرحاً بذاك العرس الأسطوري، وحده «ميهران» كان حزيناً من ويل الحرب، وبعدما حملت «ديانا»، وأنجبت الولد إثر الولد، و«ميهران» مازال يبحث عن مخرج من حرب لا يريدها، عاشت «ديانا» أوقاتاً حلوة، وفرّحت العالم معها، وعاشت أوقاتاً مرّة، وأخفت دمعها عن العالم، و«ميهران» عالق لم يألف المكان في تلك المساحة الرخامية الباردة، محاولاً أن يسمي أركانها العارية مبيتاً مؤجلاً لفجر سعيد، طافت ديانا العالم، أسرت قلوب الناس، وتألقت بفساتينها الحريرية، وابتسامتها الساحرة، و«ميهران» وحده كان يهرب من برد المطار إلى دفء عيون المسافرين، ومنظر جوازاتهم التي يحملونها متباهين في اليد، «ديانا» وخلاف زوجي في العلن، وبداية انفصال يغضب البلاط، ظهور شبح المرأة الخريفية في حياة «تشارلز»، وظهور رسائل ومكالمات غرامية في حياة «ديانا»، وحده «ميهران» لم يجد من يراسله، الجدة ذات التاج الملكي لأسرة عريقة ومعمرة تضع حفيديها تحت عباءتها الملكية، وحده «ميهران» بدأ يتواءم مع المكان، ويعرف خارطته، والمسافرون بدؤوا يلقون عليه التحية كمقيم خارج المياه الإقليمية، حاولت «ديانا» الهروب من مشكلاتها الزوجية باتجاه العمل التطوعي، ومساعدة الفقراء، وأطفال الحرب وضحايا الألغام، وحده «ميهران» كان ضحية غير معترف بها بلا وطن ولا هوية، «ديانا» تبكي حالها أمام الناس، وتنهار بالخيانة، وحده «ميهران» كان قد نسي كل من خانه، وهم كثر، ونسي أن يتذكر، ديانا قد تفجر القلاع التاريخية الملكية، والحرس القديم يخرج من جدرانها معلناً قراراً واحداً وقاتلاً، و«ميهران» ينتظر في المطار، مثل «غودو»، في الشهر الثامن من عام 97 ديانا تتحطم أضلعها في سيارة سوداء في نفق غير مظلم بباريس، والعالم يحزن لوفاة أميرة القلوب، وحده «ميهران» كان يومها حزيناً على نفسه، وعلى «ديانا»، منتظراً العبث الذي يأتي، ولا يأتي!