عندما يذهب إنسان إلى سوق تجاري، متأبطاً أحلام صغاره، وأمنيات زوجة تنتظر عودته بقلب يرف وعين تطرف، وروح تنزف، وذلك بعد أن عدَّت له كوب الشاي، وربتت على كتفه متمنية له عودة ميمونة، يأتيها الخبر الجلل، بأن الزوج والحبيب والعائل قد قضى إثر انفجار مفخخة في سوق تجاري.. وبعد زمن قصير من وقوع الحادث الأليم، تعلن جماعة تأبطت شراً، مسؤوليتها عن الجريمة، وبكل فخر واعتزاز.
هذا ما حدث في باكستان، حيث توفي ستة عشر شخصاً وجرح ثلاثون، في تفجير انتحاري في سوق تجاري شمال غرب البلاد.. والسؤال هو: أي جريمة ارتكبها هؤلاء المساكين الذين ذهبوا وراء لقمة العيش وقوت الأبناء وفرحة الزوجات، حتى يصيروا في غمضة عين أشلاء ودماء، وحتى يفتح الصغار عيونهم على فراغ وسيع، يرفع “يافطة” عريضة مكتوباً عليها: انضموا إلى قافلة الأيتام في العالم، الذين فقدوا الآباء بفعل ما جنته الأيدي الآثمة، ولتبقوا في عراء المرحلة، مهمشي الوجدان، محطمي الأشجان، تقتاتون من فتات المزابل، وتلبسون من فضلات الآخرين، وتقضون أيامكم على النواصي، تشحذون الأمل الذي لا يأتي، وتنظرون إلى الأمنيات المستحيلة بعيون مسغبة، وجباه مقطبة، وقلوب معذبة، وأرواح مستلبة، وطموحات لا تتجاوز حدود أقدامكم الحافية المغسولة بغبار المرحلة البائسة.
أي جريمة يرتكبها إنسان جل أمنياته أن يعود إلى بيته سالماً، معافى من أي طلقة أو فلقة أو نزوة غارق في المساحات المغلقة، أي جريمة يعاقب عليها إنسان لم يفعل شيئاً سوى أنه وقف على الرصيف قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم اجعل يومي سعيداً وبارك لي في صحتي وأولادي.. ثم ذهب في رحاب الله، بحثاً عن رزق يسد به جوعه وجوع أبنائه، فإذا بمتربص أفّاق، غارق في النفاق والشقاق، وعبثية الأخلاق، يطيح به وبآمال من وضعوه في مقلة العين.
إنها المرحلة، وزلزلة القيم، وخلخلة الشيم، وضياع الإنسانية في متاهات من نصَّبوا أنفسهم أوصياء، بادعاء وافتراء، ومن ساورهم الظن أن طريق الجنة موصول بأنهار الدماء، وزهق أرواح الأبرياء، إنها المهزلة البشرية، إذ تنشب الوشاية والغواية أظفارهما، في أعناق من تسوروا بكذبة العناية والدراية بشؤون الخلق.. إنها المعضلة الفكرية التي وقعت فيها مجموعات فقدت الصواب، ولبست ثوب الخراب، باستلاب بلا استتباب.
إنها الهواية المفضلة لكل ناقص ناكص، شاخص، متربص، متلصص، لا يملك غير فكرة الموت في مواجهة الحياة.. إنها لعنة إبليس، موصومة في أذهان عدميين وعبثيين، ونافخي الكير، معتنقي الشر المستطير، وأودعوا الضمير في خبر كان، وجعلوا الأوطان مسرحاً للعدوان، والطغيان والهذيان، والهوان والامتهان.



marafea@emi.ae