في الأسبوع الماضي وبالصدفة، عثرت على صديقة من صديقات الطفولة بعد زمن طويل من الغياب والفراق، بعد أن انشغلت كل واحدة بحياتها وانشغالاتها، تلك الصديقة تطوعت وضمتني لمجموعتها في “الماسنجر”، والذي يضم مجموعة كبيرة من صديقات “الفريج” والمدرسة الابتدائية اللواتي انقطعت أخبارهن منذ سنين والفضل يعود لذلك الجهاز العجيب المسمى بالتوتة السوداء المشهور “بالبلاك بيري”، والذي يحب أتباعه أن يدلعوه اختصاراً بالـ “بي بي”..! شعرت وأنا أستعيد التواصل معهن ونستعيد معا الذكريات الجميلة بسعادة غامرة قلما نجدها في هذا الزمان العجيب، تلك الذكريات حملت لي مشاعر الطفولة الجميلة ونزقها وبراءتها وروعة تفاصيلها التي لا تزال محفوظة في الذاكرة بانتظار إيقاظها أو نفض الغبار عنها لتتوهج من جديد. ظهرت تفاصيل أول مدرسة نرتادها وأول حقيبة وأول بلوزة بل وأول حرف نتعلمه. ضحكت على صوري الطفولية التي وضعتها رفيقات أول العمر على الجهاز العجيب ووجدت فيها كنزا ثمينا احتفظ به بعد أن ضيعت مخزوني أيضا من تلك الصور التي لا أذكر أي إهمال حملها وأي غبار كوني دفنها وضيعها. تذكرنا براءة الأطفال المغلفة بمشاغبات ظريفة ومقالب طفولية طريفة لم يسلم منها لا بقية الصديقات ولا المعلمات اللاتي استحملننا وصبرن على تعليمنا بجهد وإخلاص. انظر الآن إلى تلك الصورة الجماعية التي التقطت في بهو المدرسة، فتيات في عمر الزهور تحولن الآن إلى زوجات وأمهات وموظفات في مواقع المسؤولية ومنهن من سافرت لإكمال دراستها وأخرى ترافق زوجها الذي يعمل في الخارج، إنها غرائبية الغياب ووجودية اللقاء. وبرغم سلبيات “بي بي” غير أنني لا بد أن أشكره على هذه؛ لأنه مكنني من استعادة شيء من الذاكرة المدفونة ومكنني من استعادة صديقات نشأت بينهن وعشت أحلى أيام العمر. تلك الومضات التاريخية من أعمارنا لم نكن لنستعيدها لولا التكنولوجيا العصرية ووسائل الاتصال الحديثة، ولا بد أن نعترف أن وسائل الاتصال الحديثة تغير أنماط حياتنا شيئا فشيئا بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا على إن كان ذلك التغيير نحو الأفضل أو نحو الأسواء فربما يكون مزيجاً من كلاهما، غير أنه لاشك أنها وسائل مفيدة عندما نحسن استخدامها، بل إنها ثورة فعلية في عالم اليوم وقد رأينا نتائجها على أرض الواقع بما يعكس قوة تأثيرها على مجريات الأحداث العالمية في عالم مبني على الاتصال والمعرفة، رأينا كيف تحولت إلى سلطة قادرة على أن تغير حكومات وتلغي ديكتاتوريات وتحرك الشعوب والجماهير، ورأينا كيف يمكن أن تكون نعمة ونقمة في آن واحد.! bewaice@gmail.com