إن من يتأمل بتعمق واستيضاح كافٍ في تحليل الأسس التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، ومسارها المنبثق عن تلك الأسس والقواعد، سوف يدرك جيداً أن الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، مؤسس المملكة، بنظرته البعيدة ورؤيته الاستراتيجية الثاقبة والعميقة وقدرته على استشراق المستقبل بكل ما يحمله من آمال وطموحات.. كان سباقاً في إدراك حقيقة أن العالم مقبل على عصر الكيانات الوطنية الكبيرة والتي يتعين أن تتوفر لها مقومات الوحدة والتماسك والبقاء والاستمرار في ظل نظام عالمي كان آخذاً في التشكل آنذاك.
لقد أصبحت المملكة العربية السعودية دولة واحدة ذات إرادة صلبة وعزيمة قوية وإيمان عميق بمفهوم الوحدة والمصير المشترك، وأصبحت الوحدة في بنائها أقوى من أي محاولات خارجية لإحداث الفرقة والتجزئة. وسجل التاريخ للملك المؤسس هذه الإنجازات الكبيرة، لما تحقق للسعودية من مكانة عظيمة على المستويات الإقليمية والعالمية.. وأصبح الجميع الآن يقفون شهوداً على حقيقة الإنجازات الكبيرة التي شهدتها المملكة، عربياً وإسلامياً وإقليمياً ودولياً، سواء أكان ذلك على المستوى السياسي والاقتصادي والتجاري والاجتماعي والصحي والتعليمي والثقافي والإعلامي.. أم على صعيد الإنجازات العصرية الأخرى، لاسيما في مجالي التحديث الإداري والبنية التحتية المتطورة، لتصبح بذلك إحدى أكثر القوى الإقليمية تأثيراً وحضوراً في المحافل الدولية، ولتصبح منارة كبيرة للإسلام والعرب في هذا العصر المضطرب والحافل بأزماته.
ويجمع أغلب الساسة والمفكرين والقادة والمؤرخين على أن الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وهو مؤسس المملكة، قد استطاع بناء دولة حديثة على أسس قوية راسخة، كما استطاع الانتقال بها إلى مرحلة البناء والتنمية والرفاه، حتى وصلت إلى مصاف الدول الأكثر تأثيراً في السياسات الاقتصادية العالمية خلال فترة زمنية قصيرة من عمر تقدم الشعوب.
لقد استطاعت المملكة، بحكمة قيادتها الراشدة وجهودها الدؤوبة على مدى السنين، ترسيخ دورها الرائد على المستويات الداخلية والخارجية كافة، كما حافظت على الثوابت والقيم الإسلامية الكبرى، وعززت التوازن بين التنمية والترابط الاجتماعي، وحققت أسس التنمية المستقلة، وما فتئت تقوم بدورها العظيم في خدمة الحرمين الشريفين وفي السهر على راحة حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين وزوار المسجد النبوي الشريف، علاوة على ما قامت به من توسعات للحرمين الشريفين وتطوير لمكة المكرمة وإنجاز لقطار المشاعر ومنشأة الجمرات.
والعلم كله يشهد للجهود الكبيرة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية في خدمة الأمة العربية والإسلامية وخدمة ضيوف الرحمن وتطوير الحرمين الشريفين وإدارة موسم الحج والسهر على تنظيم ورعاية هذه الشعيرة التي تشارك فيها سنوياً حشود وتجمعات بشرية هائلة، تعجز عن إدارتها دول عظمى ومتقدمة.. لكن النجاح المذهل للمملكة العربية السعودية أصبح مضرب المثل في هذا المجال.