من البديهيات التي يتجاهلها الحاقدون على الإمارات أن هناك فرقاً بين الكيان السياسي للدولة وبين البقعة الجغرافية التي تقع عليها، بما لها من امتداد تاريخي في الزمان والمكان ذاته. لكن البعض يرددون بتكرار أن عمر الإمارات يبدأ منذ عام 1971. وهذا هو تاريخ الاستقلال التام عن النفوذ البريطاني وإعلان قيام الدولة الاتحادية، أما المكان الجغرافي فله تاريخه الراسخ الذي شهد تحولات وظهور قوى وطنية كان لها نفوذ وحضور بارز في التاريخ، مثل أبوظبي ودبي ورأس الخيمة والشارقة. ومن الظلم والإجحاف قياس حجم وقوة الدول وأهميتها بتاريخ استقلالها عن الاستعمار الأوروبي بأشكاله المختلفة. لكن هناك من يسعون باستمرار إلى النيل من الإمارات والتقليل من شأنها، رغم أن كل عربي يفخر بأي تطور أو بارقة أمل تلمع في أي بلد عربي، فلماذا يحقدون على الإمارات إلى هذه الدرجة ويظهرون في قمة الجهل والغباء والحقد وعدم الإلمام بالفرق بين الجغرافيا الثابتة وبين الكيانات السياسية التي تنشأ وتتطور على أرض لها عمقها التاريخي والثقافي المتوارث؟
تبدأ الحملات الشعواء بالتطاول المتكرر على الإمارات، كلما تناولت وسائل الإعلام خبراً أو تحليلاً لحدث يتصل بتاريخ الجغرافيا الإماراتية العريقة التي كانت حاضنة للأجداد ولها -مثل غيرها- إسهامها في مختلف العصور. آخر خبر أثار الحاقدين ودفعهم إلى التطاول مجدداً على الإمارات هو الإعلان عن اكتشاف أقدم مسجد في مدينة العين يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام. الخبر دفع البعض إلى الصراخ المعتاد حول تاريخ الإمارات، من دون أن يتمكنوا من التفريق بين تاريخ الكيان السياسي وبين المكان الجغرافي الذي له تاريخه وعراقته مثل كل الأمكنة الجغرافية في المنطقة العربية.
الغريب أن يعمي الحقدُ بعضَ العرب، ولا نقول إن كل من يتطاولون على الإمارات من العامة والجهلاء، لأن بينهم من ينتمون لحقول الصحافة والثقافة، لكنهم بلغوا مرحلة متقدمة من اختزان الكراهية وتجاهل حقائق الجغرافيا. فإذا كانت أرض الإمارات بلا تاريخ وبلا آثار إسلامية وبلا انتساب إلى الحضارة فإن المنطقة كلها ستكون كذلك مقطوعة الصلة بالتاريخ، وهذا لا يعقل. إن من يشككون في تاريخ أرض الإمارات إنما يشككون بعمق وأصالة تاريخهم الذي تربطه بتاريخ الإمارات أواصر ومحطات لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها.
أما بشأن حداثة تاريخ الاستقلال عن الاستعمار، فإن جميع الدول العربية تعرضت للاستعمار، وليس منطقياً أن يكون تاريخ الاستقلال مقياساً لعمر الدول وعراقتها، لأن الكيانات العربية القائمة في القرن العشرين كلها كيانات حديثة، لكن ماضيها أعرق وأعمق من ولادة الكيانات السياسية الجديدة. فهل يعقل مثلاً أن نتجاهل الحضارة العراقية أو الفرعونية وأن نقيس عمر الدولة المصرية بتاريخ اتفاقية جلاء الاستعمار البريطاني الموقعة عام 1954؟
من الواضح أن الدرس التاريخي المنصف يعي جيداً أن لكل بقعة جغرافية اتصالها الحضاري بالماضي، ومهما كانت الكيانات السياسية حديثة النشأة في الجغرافيا، فإن ذلك لا يلغي العراقة التاريخية وما تدل عليه الاكتشافات الأثرية. ولو أنهم بذلوا جهداً بسيطاً في مراجعة وقائع تاريخ المنطقة، لعرفوا أن حكام أبوظبي الكبار كان لهم حضورهم المؤثر، وأن أساطيل رأس الخيمة قارعت القوى البحرية الأجنبية وهزمتها وبلغت شواطئ الضفة الأخرى من الخليج العربي. لكن الإشكالية تكمن في سهولة الثرثرة من قبل البعض على وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم الذباب الإلكتروني الممول من قبل قطر، وانضم إليه قطعان من الحاقدين، بعضهم على غير اطلاع بحقائق التاريخ، وهم يستمتعون بالتغابي والنزول إلى مستوى الذباب الإلكتروني الذي يكرر أسطوانة مشروخة أصبحت تثير السخرية عندما يعتقدون أن تاريخ الإمارات يبدأ في عام 1971!
ومما يثير الضحك أن المتطاولين على الإمارات فيما لو فتحت باب التجنيس سوف يهرولون للحصول على جنسيتها ويقفون بحرص وأدب في أول الطابور. ومن تجارب سابقة عرفنا أن الإنجازات هي التي تدفع الحاقدين إلى التمادي، وآخر إنجاز تحقق هو حصول جواز سفر دولة الإمارات على المرتبة التاسعة عالمياً مع المحافظة على المرتبة الأولى عربياً بدخول 157 دولة بدون تأشيرة مسبقة.