بعد مرور قرابة عقدين على هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، إلا أن اللافتة على الجدار في الرواق داخل مركز مهام مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لا تزال الكتابة عليها كما هي: «اليوم هو 12 سبتمبر 2001».
وتشير اللافتة إلى شعور بالإلحاح أن الضباط الذين يعملون هناك لا تزال مهمتهم هي حماية الدولة، في كل يوم، من الإرهاب. وقد حظيت جهودهم منذ ذلك الحين بنجاح ملحوظ، بالنظر إلى أن الإرهابيين المتطرفين حاولوا مراراً وتكراراً مهاجمة الأراضي الأميركية. لكن على أية حال لم يتم القضاء على الإرهاب الدولي، لذا، لا يزال الحذر مطلوباً. غير أن الدولة أكثر أماناً بكثير مما كانت عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أننا وضعنا خلافاتنا السياسية جانباً من أجل مصلحة الأمن القومي.
بيد أن ذلك التضامن اهتز بسبب حالة الاستقطاب السياسي المتزايدة في السنوات الأخيرة، وهو تطور خطير لأن الولايات المتحدة تواجه في الوقت الراهن تحديات أمنية عالمية جسيمة. والوحدة الوطنية ضرورية بينما ترد أميركا على التهديدات الخارجية، بما في ذلك محاولات روسيا إضعافنا في الداخل والخارج، ومغامرات إيران العسكرية الخطيرة ودعمها للإرهاب، واستمرار التهديد النووي من كوريا الشمالية.
لكن أصعب التحديات، وربما أشدها هولاً الذي تواجهه أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، هو كيفية الرد على صعود الصين. فعلاوة على رغبتها في استعادة مكانتها كدولة مهيمنة في آسيا، تسعى الصين أيضاً إلى أن تصبح أقوى دول العالم وأكثرها نفوذاً. كما أن نجاحها الاقتصادي يجعل من الممكن أن يتحول نظامها السياسي ونظامها الاقتصادي المختلط إلى نموذج تحتذي به دول أخرى. وللمرة الأولى منذ عقود، ثمة جدال في أرجاء العالم حول أفضل صورة للحكم والنظام الاقتصادي.
وجيش التحرير الشعبي الصيني في طريقه ليصبح قوة عسكرية أقوى من أي جيش واجهته الولايات المتحدة منذ أيام الاتحاد السوفييتي. وتدرك بكين في الوقت الراهن أن أية منافسة في آسيا بين الصين وأي خصم، بما في الولايات المتحدة، ستكون مواجهة بحرية وجوية في المقام الأول، وقد تأهبت الصين بناء على ذلك، وطورت قدرات متطورة في البحر والجو، وحتى في الفضاء. ويجري الجيش الصيني كذلك أبرز الإصلاحات التنظيمية منذ تأسيس الدولة الصينية المعاصرة في 1949. وتبدو بكين أكثر قدرة من ذي قبل على استعراض قوتها العسكرية.
وعلاوة على جيشها المتنامي، تشكل الصين تحدياً خاصاً، باعتبارها خصماً يستخدم تكتيكات اقتصادية ودبلوماسية مشروعة، مثل اتفاقات التجارة الحرة والمساعدات التنموية، كما تستخدم تكتيكات غير مشروعة مثل التعدي على حقوق الملكية الفكرية، والإجبار الاقتصادي، ومصادرة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
والسؤال حول كيفية تعامل قوة راسخة مع صعود قوة عالمية جديدة هو سؤال قديم قدم المؤرخ الإغريقي «ثوسيديديس» صاحب كتاب تاريخ الحرب. وعلى الولايات المتحدة أن تجيب على هذا السؤال، وبسرعة!
ورغم ذلك لم نتوصل حتى الآن إلى استراتيجية. لكن الوضع الراهن ليس خياراً لأن الصين تزداد ثقة كل يوم في أن بمستطاعها المضي قدماً في طريقها. كما أن الاحتواء ليس خياراً هو الآخر لأن قوة الصين أضحت بالفعل أكبر من أن تحتوى، واعتماد بقية دول العالم عليها صار أكبر من المتصور.
ويعتقد البعض في مجتمع الأمن القومي أنه لا بد من التوصل إلى اتفاق، تتخلى بموجبه الولايات المتحدة عن بعض نفوذها العالمي في مقابل موافقة بكين على الإذعان لقواعد النظام الدولي. ويشكك آخرون في أن الصين تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتصبح أقوى دولة في العالم، ويشيرون إلى أن علينا أن نفكر في الطريقة المثلى لإدارة شؤوننا كثاني قوة في العالم، مثلما فعلت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وبصفة شخصية، لا أزال آمل أن يكون من الممكن التوصل إلى صفقة، لكن الأمر سيقتضي أن تقنع الولايات المتحدة الصين بأنها إذا ما أرادت النجاح عالمياً، فإنها تحتاجنا. ولن يحدث ذلك إلا إذا واجهت واشنطن أي انتهاك صيني للقواعد القائمة بقوة، على أن تقبل في الوقت ذاته، بل وتكافئ بكين، عندما تلتزم بهذه القواعد. ويعني ذلك ضرورة المواجهة بقوة لأي تحركات عدوانية مثل عسكرة بحر الصين الجنوبي، بينما ترحب بخطوات مثل إطلاق بكين بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية قبل عامين.
وقد لا نتفق جميعاً على استراتيجية محددة، لكن التعاون بين الفرقاء السياسيين في أميركا هو أمر ضروري لوضع وتطبيق أية خطة طويلة الأمد ومعقدة بما يكفي للتعامل مع التحدي الذين تمثله الصين. وفي خضم الانقسامات السياسية الشرسة التي تشهدها واشنطن حالياً وتشتت الانتباه بشكل كبير، ستكون أية قضايا سياسة خارجية معرضة لخطر التجاوز وضياع الفرص. وقد أظهرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لنا تكلفة ألا نكون متأهبين.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»