أثناء عملي كقائد للقيادة الجنوبية الأميركية، قمت بزيارة كل بلد وإقليم في أميركا اللاتينية –فيما عدا فنزويلا. وبنهاية العقد الأول من القرن الـ21، دمر الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وحطم اقتصاد البلاد، وأصبحت وفرة النفط في البلاد بمثابة لعنة، حيث استنزف الفساد إنتاج الحقول الغنية التي تمتلك أكبر احتياطي في العالم. كما أصبح تهريب المخدرات مستوطناً. لقد كانت حالة مؤسفة بالنسبة لبلد ورث إرث المحرر العظيم «سيمون بوليفار». وعندما توفي شافيز إثر إصابته بالسرطان، كانت هناك لحظة قصيرة من الأمل في أن رحيله سيعلن عن مجموعة أكثر عقلانية من السياسات في عهد خلفه نيكولاس مادورو. وبدلاً من ذلك، تسارعت دوامة الهبوط، واليوم، فإن الدولة التي كان يجب أن تكون الأكثر ازدهاراً في المنطقة، باتت في خضم أزمة كبيرة للاجئين.
لقد فر قرابة 4 ملايين فنزويلي، من سكان ما قبل الأزمة، البالغ عددهم 31 مليون نسمة، من البلاد. وأصبحت مراكز اللاجئين التي أقيمت في البلدان المحيطة مزدحمة، وتكافح كولومبيا والبرازيل على وجه الخصوص للتكيف مع هذا الوضع. ومن ناحية أخرى، ازدادت العلاقات مع الولايات المتحدة سوءاً، مع زعم الرئيس مادورو مؤخراً أن الولايات المتحدة تعد للقيام بغزو وتحاول إثارة انقلاب لإطاحة حكومته.
فما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في مواجهة هذه الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية قبل كل شيء؟
أولاً، تحتاج إدارة ترامب إلى تجنب أي شيء ينطوي على عمل عسكري أميركي أحادي الجانب. وما تعلمته على مدار سنوات خدمتي في القيادة الأميركية هو مدى عمق القلق من التدخل الأميركي في جميع أنحاء المنطقة.
حتى الدول التي تعد اليوم من الشركاء والحلفاء الأقوياء –تشيلي والأرجنتين والبرازيل وكولومبيا –تعلم جيداً سجلنا الطويل من الغزوات والتدخلات في مجتمعاتها. وهذه الدول حساسة للغاية من ناحية الجيش الأميركي على وجه التحديد، وأي شيء آخر ينطوي على التنمر السياسي أو الاقتصادي الأميركي. لذلك، بالإضافة إلى تفويت أي فرص لدعم الانقلابات العسكرية، يجب على البيت الأبيض أن يسعى للعمل متعدد الأطراف، ويفضل أن يكون ذلك من خلال منظمة الدول الأميركية والأمم المتحدة.
ثانياً، يجب أن نعزز العمل في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية، فقد حان الوقت لمنح أولوية أكبر لمنظمة الاستخبارات الخاصة بالقيادة الجنوبية، ومقرها ميامي. كما يتعين علينا إدراج كولومبيا – التي لديها أفضل استخبارات في المنطقة، خاصة في فنزويلا.
ويتمثل النهج الثالث في تعزيز التعاون بين الوكالات، لا سيما في الإعداد للأزمات الإنسانية الكبيرة المحتملة. وهذا يعني ليس فقط البنتاجون –الذي لديه كل القوة اللوجيستية –بل أيضاً الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ ووزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
إن استخدام خليج جوانتانامو كمنطقة لإطلاق العمليات الإنسانية أمر منطقي، ووزارة الدفاع لديها بالفعل خطط طوارئ رسمية للقيام بذلك. وهناك مناطق إسكان للاجئين تم إعدادها مسبقاً، علاوة على وجود إمدادات إنسانية وخبرة كبيرة في هذا المجال.
رابعاً، يجب أن نشجع البرازيل وكولومبيا للانضمام إلى القوات سياسياً وعسكرياً كأساس لقوة متعددة الجنسيات لمراقبة اللاجئين، ذلك لأن القدرة المدنية لبلدان المنطقة تتعرض للاضطراب، وهناك دور مناسب للجيوش من حيث البحث والإنقاذ والتحكم في الحشود والاستجابة الطبية وتوفير الغذاء الأساسي والمأوى. ونأمل أن تنضم دول أخرى في المنطقة (سواء في أميركا الشمالية أو منطقة البحر الكاريبي) إلى هذه الجهود. وعندما يتعلق الأمر بالاستجابة الإقليمية المشروعة، ستكون مشاركة الولايات المتحدة منطقية. لكن المشاركة قبل ذلك ستعطي مادورو الفرصة للحديث عن «العدوان الأميركي».
وأخيراً، سنحتاج إلى استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع الاضطرابات التي تشهدها فنزويلا، والتي تصل إلى حد الحرب الأهلية. وهذا يعني دعم الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى بقوة لدفع نظام مادورو إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة، وهو الأمر الذي يواجه فشلاً في هذه اللحظة.
* القائد السابق للقيادة العليا لحلف "الناتو"
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"