عقب الفوز الصادم لدونالد ترامب على هيلاري كلينتون في نوفمبر 2016، سافر الرئيس باراك أوباما الذي كان لا يزال مذهولاً بنتائج الانتخابات إلى ليما في بيرو من أجل قمة لمنظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي «أيبك». وأثناء وجوده هناك، عقد أوباما مؤتمراً صحافياً، ويمكن القول إن الأسئلة والأجوبة حين ننظر إليها اليوم، مع المعرفة الكاملة بالجحيم الذي نعيشه منذ قرابة سنتين، كانت مذهلة. التبادل الذي يتذكره الناس أكثر من غيره كان مع مراسل «فوكس نيوز» ريتش إدسون الذي سأل: «بمناسبة الحديث عن سلفك، لقد حرص على الامتناع عموما عن الإدلاء بأي انتقاد علني لك خلال فترة رئاستك. فهل ستمتنع عن الإدلاء أيضا بأي انتقاد للرئيس ترامب، حتى إن حاول تفكيك جزء كبير مما أنجزته؟». فأجاب أوباما جزئياً:
كمواطن أميركي يهمه كثيراً أمر بلده، إذا كانت ثمة مواضيع ليست لها علاقة مع تفاصيل بعض المقترحات أو المعارك التشريعية، ولكنها تتعلق بمسائل جوهرية حول قيمنا ومثلنا، ووجدتُ أنه من الضروري أو المفيد أن أدافع عن تلك المثل، في تلك الحالة سأبحثها حينما تأتي». حسناً، يبدو أن تلك اللحظة قد أتت أخيراً بالنسبة لأوباما، وإنْ كانت، بكل صدق، قد أتت منذ أشهر بالنسبة للكثير منا. لقد اشتكينا طويلاً جداً لدرجة أن الناس أطلقوا على معارضتنا الكبيرة لهذا الرجل اسم«متلازمة اضطراب ترامب»، ولكن كتاب«بوب وودورد» الجديد، ومقال الرأي الذي نشره مسؤول مجهول في إدارة ترامب في صحيفة«نيويورك تايمز» أثبت أننا على حق. والحقيقة أن معظم الأميركيين يعتقدون الآن أن علاقة ترامب بالقرصنة الإلكترونية الروسية غير قانوني. ومع أنه سبق لأوباما أن أدلى ببعض التصريحات غير المباشرة التي تكتفي بالتلميح في كثير من الأحيان حول سياسات ترامب وخطابه، إلا أن الخطاب الذي ألقاه الأسبوع الماضي بجامعة إيلينوي في «أوربانا- تشامبين» مثّل المرة الأولى التي ينتقد فيها أوباما ترامب بالاسم.
وقد شكّل ذلك قطيعة مع التقليد المهذب لنادي الرؤساء السابقين الذي يحاول بمقتضاه الرؤساء السابقون عدم انتقاد الرئيس الحالي بشكل شخصي والعكس صحيح، وإن كان ترامب لم يلتزم بهذا التقليد قط، ذلك أنه لا يتوانى عن شتم أسلافه والتنديد بهم، خاصة أوباما، الرجل ذو الأصول الأفريقية الذي تُكنّ له قاعدته الانتخابية البيضاء كرهاً أكبر من أي أحد آخر. والواقع أن لا شيء مما قاله أوباما كان جديداً أو كاشفاً في الواقع، ولكن أن يقول ذلك هو ما لفت الانتباه. وعلى سبيل المثال، قال أوباما للجمهور: إنه«في كل مرة نقرّب فيها أنفسنا من مُثلنا المؤسِّسة، ثمة قوى قاتمة تقاومنا وتدفعنا إلى الخلف، وإنها لم تبدأ مع دونالد ترامب. فهو مجرد عرض من الأعراض، وليس السبب».
وأضاف قائلاً:«كل ما هناك أنه يستغل مشاعر الاستياء التي أذكاها السياسيون لسنوات. مشاعر خوف وغضب تعود جذورها إلى ماضينا، ولكنها ناجمة أيضاً عن الاضطرابات الهائلة التي حدثت في حياتكم القصيرة».
لقد كان بإمكان أوباما قراءة كلمات مماثلة في ألف مقال كُتبت منذ انتخاب ترامب. ولكني شخصياً أقدّر كثيراً كلماته لسبب آخر: أنه يرخي قبضة ترامب على الأخبار، ذلك أنه حتى هذه اللحظة، هيمن ترامب على الأخبار، ولم يكن لأي أحد الوزن اللازم لتحدي تلك الهيمنة، ولكن أوباما لديه ذلك الوزن. وفقط من خلال تحدثه يغيّر أوباما«النظام الغذائي» للأخبار التي يستهلكها الناس. إن مجرد حضوره في المعركة، كصوت رئاسي – حتى وإنْ كان سابقاً، فإنه بالنسبة للبعض دائم – مؤثر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة« نيويورك تايمز»