أسفرت الأحداث المتسارعة الأخيرة التي تدور في العراق، خاصة ما حدث مؤخراً في مدينة البصرة الجنوبية من تظاهرات عارمة تخللتها شعارات تردد وتهتف «إيران.. بره.. بره» أي بمعنى يا إيران اخرجي من العراق، وقيام المتظاهرين بحرق القنصلية الإيرانية والعديد من المنشآت الخاصة بتنظيمات وحركات موالية لإيران، بأن ما يحدث هو ذو بعد خارجي يخص إيران وحدها، ونحن لا ننكر بأن التظاهرات والاحتجاجات وأعمال الشغب لها أبعاد داخلية كثيرة وتراكمات محلية، تعود إلى الاستفراد الطائفي والفقر والبطالة وشح الموارد والفساد ونقص المياه الصالحة للشرب والكهرباء، إلى غير ذلك من مصادر الغضب والاستياء الشعبي، لكن ذلك شيء ومحاولات الهيمنة الإيرانية على العراق شيء آخر أشد وطأة وتأثيراً.
قراءتي المبدئية لما يحدث في البصرة حالياً من دمار وحرائق وإتلاف لأموال وممتلكات أهل البصرة والعراقيين جميعاً هي أن إيران أو القادة الإيرانيين بالتحديد ينظرون إلى الساسة العراقيين أو إلى العراقيين جميعاً بأنه يتوجب عليهم أن يفعلوا بالضبط ما تطلبه إيران منهم، اعتقاداً منها بأن المكون الشيعي العراقي يقف مع سياساتها في بلادهم وهيمنتها عليها. وهذا الاعتقاد نابع من أن الانتخابات المتتالية التي جرت في العراق منذ ديسمبر 2005، حتى الانتخابات الأخيرة لعام 2017 للشيعة بتسلم سدة الحكم بطريقة قانونية، ودخلت إيران في بادئ الأمر وتغلغلت في العراق عن طريق البعض من ساستهم الذين أصبحوا متمركزين في مفاصل السياسة والاقتصاد والجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى.
وبعد ذلك بدأت السياسات الإيرانية في العراق في الانتقاص من هيبة العراقيين في بلادهم، بما في ذلك المكون الشيعي والساسة المنتمون له، وفي الانتقاص من المصالح العراقية والاستهانة بأبناء الشعب العراقي بجميع مكوناته، معتقدة أن ذلك أمر هين على العراقيين وسيتقبلونه، لأن إيران تنتمي للمكون الشيعي طائفياً، وفي خضم ذلك قامت إيران باستخدام نفوذها المتزايد لخلق المشكلات والأزمات بين العراقيين عن طريق إذكاء الحس الطائفي وضرب السُنة بالشيعة عن طريق تكليف الميليشيات التابعة لها القيام بأعمال عنف مسلح ضد الآخرين.
ونتيجة لشعور العراقيين كافة بالغبن وامتلائهم بالغضب ضد جميع ما قامت به إيران في بلادهم كانت ردة فعلهم القوية الأخيرة في البصرة، التي هي في حقيقتها رسالة واضحة وقوية جداً في جزء كبير منها إلى إيران، وجزء آخر إلى المتحالفين والمتعاطفين معها في العراق، بأنه يجب عليها الخروج من العراق كلية، وأول ذلك الخروج لابد وأن يبدأ من المناطق التي تقطنها أغلبية شيعية، على رأسها مدينة البصرة التي كانت خط النار الأول في الحرب التي دارت بين عامي 1981 - 1988. إن على إيران أن تدرك بأنه حان الوقت لدى العراقيين لاسترداد بلادهم من وطأة تغلغلها ونفوذها، فهل تعي ذلك وتخرج مهرولة؟
*كاتب إماراتي