الدور الذي يمارسه الإعلام القطري حالياً مدمر بشكل غير واعي لمصالح قطر ذاتها قبل أن يؤثر على الآخرين أو يسبب لهم أية تداعيات سلبية، وهو دور فيه قدر كبير من الإصرار على ممارسة الأخطاء تجاه الآخرين، وفيه عناد شديد غير مبرر مشوب برغبة جامحة في الدفاع عن النفس عن طريق تبرير الأفعال الخاطئة وبطرق ووسائل يغيب عنها الوعي من قبل من يحكمون قطر، لأنّ من يقومون به، هم غرباء لا تهمهم المصلحة القطرية الحقيقية بقدر ما يهمهم ملء جيوبهم بالمال القطري الذي يبعثر يمنة ويسرة وعلى غير هدى.
من يحكمون قطر اليوم نراهم جاهزين باستمرار وراغبين بجنوح في مخالفة الإجماع الخليجي والانشقاق على صفوفه وانتقاد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودول عربية أخرى كثيرة ومهاجمتها إعلامياً دون تحفظ أو مراعاة لأخوة أو لجوار أو حتى لمصالح، على قصر سياساتها وخطأ مواقفها بتشدقات ما أنزل الله بها من سلطان. ومن المعلوم أن لكل أمر دلالاته ومؤشراته وأسبابه، فدول المقاطعة التي ينتقدها إعلام حكام قطر ويحاولون التدخل في شؤونها الداخلية وقلب نظم الحكم فيها، ويسلطون عليها جام غضبهم وسعير حملاتهم الإعلامية المغرضة والمغلوطة هي دول لديها واقع عملي محوره الولوج في حداثة كبرى والأخذ بأسباب التقدم العلمي والتكنولوجي المتطور من جانب، والمحافظة التقليدية- من جانب آخر- على الثوابت الأساسية في التعامل مع قضايا هذا العصر، خاصة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ضمن أطر واعية لخدمة قضاياها الوطنية وشعوبها.
ويبدو بأن هذه أمور تقلق الذين يحكمون في قطر وتثير غيرتهم وربما حسدهم، لأنهم عوضاً عن اتباع نفس الأساليب السليمة في خدمة شعبهم والمحافظة على مصالحه وأمواله، هم يقومون بممارسات لا يقرها لا العقل ولا المنطق ولا الضمير الحي لأي حاكم عادل تجاه قضايا وطنه وشعبه.
وهنا يوجد مربط الفرس بالنسبة للممارسات الخرقاء لمن يحكمون قطر على الصعيد الإعلامي، فتلك الممارسات تثير لدينا السؤال المدهش الخاص بما إذا كان نظام حكم تقليدي قائم على الأنماط والممارسات والوسائل القديمة يستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية في ممارسة هذه الكذبة الكبرى تجاه نفسه، التي يصور من خلالها ذاته للخارج، بأنه نظام حكم عظيم ومؤثر ظاهرياً، بينما هو في جوهره وحقيقته خاوي من الداخل وغير كفوء لحكم قطر، وإدارة شؤونها ومصالحها؟ وهل يمكن استخدام الإعلام المضلل والكاذب بطريقة متخلفة في الداخل للمحافظة على الطرق القديمة والأوضاع القائمة، في حين يقوم بطرق مغايرة في مخاطبته الخارج باستخدام طرق ووسائل تبدو حديثة وعصرية؟ وما جدوى ذلك في الحالة القطرية التي يعاني شعبها الأمرين؟ وهل هذه الوسائل وبطبيعتها الأساسية ستنتقص من أوضاع ومصداقية هذا النظام المتخبط؟ وهل الإعلام القطري الحالي، وبغض النظر عن محتوياته المحددة يميل إلى إنتاج تغيرات في النظرة في أوساط الجماهير المتلقية له من عرب وغيرهم؟
يبقى لديّ سؤال أخير هو: ما الذي يدفع بالإعلام القطري إلى هذا المستوى من الانحطاط والتردي، وإلى اللجوء إلى مثل هذه الصغائر والأساليب التافهة من الكذب والتلفيق بحق أشقاء قطر؟ ما نعتقده أن العجز والإفلاس السياسي وضمور الثقافة السياسية والإعلامية وتدخلات الغرباء، هي التي تدفع به في هذا الاتجاه، ويرتبط ذلك بنمط الثقافة السياسية والإعلامية التي تنبثق منها القرارات التي لا يمكن لها أن تتخذ في فراغ؛ وبنوع المؤسسات السياسية والإعلامية التي لا تعمل في فراغ أيضاً. وعليه، فإن فهم الأداء الإعلامي لقطر لا يمكن أن يحدث دون وجود ثقة شعبية بما يفعله ويقوله النظام الحاكم وبنفوذ الثقافة السياسية والإعلامية عليه.
وبالتمعن في الحالة القطرية يلاحظ عدم وجود وعي سياسي وإعلامي، ولا ثقافة سياسية وإعلامية معترف بها شعبياً، فجميع المواقف والقرارات السياسية والإعلامية تصب في غير صالح قطر ومواطنيها، ونراهم يدخلون في مواقف خطيرة من خلال هذا الإعلام الكاذب والمضلل، هم في حقيقة الأمر لا يقدرون مدى خطورتها وتداعياتها السلبية على أنفسهم وشعبهم وأشقائهم عرب الخليج العربي، ويبقى أن الإعلام القطري يمثل حالة اختبار تحليلية مثيرة للاهتمام على صعيد النظريات المعاصرة للإعلام والسياسة.
*كاتب إماراتي