هذا الأسبوع، اقترح عضوا مجلس الشيوخ «تشاك شومر»، و«مارتن هينريك» مشروع قانون من شأنه أن يوجه «مكتب التحليل الاقتصادي»، الذي يُنتج تقديرات تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي، بإنتاج تقديرات تخبرنا بمن يستفيد من النمو الاقتصادي – على سبيل المثال، كم يذهب إلى الطبقة الوسطى. وهذه فكرة جيدة حقاً.
والحق أنني لستُ ممن يعتقدون أن الناتج المحلي الإجمالي معيب، أو أنه رقم عديم الجدوى، بل إنه رقم نحتاجه لعدة أهداف، ولكنه لوحده لا يمثل معياراً كافياً للنجاح الاقتصادي. وثمة عدد من الأسباب التي تفسّر هذا الأمر، ولكن السبب ربما هو أنه لا يخبرك سوى بما يحدث لمتوسط الدخل، والذي لا يُعد دائماً مناسباً وكافياً لمعرفة كيف يعيش معظم الناس.
وقد كان ثمة عهد لم يكن فيه التساؤل حول من يستفيد من النمو الاقتصادي يبدو مستعجلاً، لأن الدخل كان يرتفع باطراد للجميع تقريباً، غير أنه منذ السبعينيات، يبدو أن الحلقة بين النمو الإجمالي، والدخول الفردية قد كُسرت بالنسبة للكثير من الأميركيين. فمن جانب، أصاب الركودُ أجور الكثيرين، وعلى سبيل المثال، فإن العامل الذكر يتقاضى اليوم في المتوسط أقل مما كان يتقاضاه في 1979، مع أخذ التضخم في عين الاعتبار. ومن جانب آخر، عرفت دخول البعض نموا أسرع من دخل البلاد بأكملها. ولهذا، فإن المديرين التنفيذيين في الشركات الأكبر يتقاضون أضعاف ما يتقاضاه العامل المتوسط بـ270 مرة، مقارنة مع 27 مرة فقط في 1980.
كما يبدو أن انفصالاً مماثلاً بين النمو الإجمالي والتجربة الفردية يكمن وراء عدم تحمس الجهور لحالة الاقتصاد الحالية واستيائه من خفض الضرائب في 2017. والحق أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي كانت جيدة في الفصول الأخيرة، ولكن معظم النمو ذهب إلى رفع أرباح الشركات، في حين راوح متوسط الأجور الحقيقي مكانه.
ولكن كيف تنسجم مثل هذه الحقائق مع القصة العامة للنمو الاقتصادي؟ للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج إلى «حسابات توزيع وطنية» تتعقب كيف يتم توزيع النمو بين قطاعات مختلفة من السكان. إنتاج مثل هذه الحسابات صعب، ولكنه ليس مستحيلاً. وقد بادر علماء الاقتصاد، توماس بيكيتي، وإيمانويل سايز، وغابرييل زكمان بإنتاج حسابات تقديرية ذات تفاصيل معتبرة خلال نصف القرن الماضي. وكانت الرسالة الرئيسة رسالة نمو يذهب على نحو غير متناسب إلى القمة، ولا يتم تشاركه مع النصف الأسفل الذي في القاعدة من السكان، ولكن ثمة أيضاً بعض المفاجآت في الاتجاه الآخر، ومن ذلك مثلاً أن الطبقة المتوسطة، وإن كانت لا تزال متأخرة، إلا أنها أبلت بلاء أفضل، مقارنة مع ما كانت تشير إليه بعض المقاييس المألوفة بفضل المزايا الجانبية.
ولكن ثمة فرقاً كبيراً بين التقديرات التي ينتجها اقتصاديون مستقلون، والتقارير الدورية التي تصدر عن الحكومة الأميركية بانتظام، وذلك لأن الحكومة لديها الموارد للقيام بهذه المهمة بشكل أسهل، ولأن الناس (والسياسيين) سيولون انتباهاً أكبر للموضوع. ولهذا، يضغط «مركز واشنطن للنمو العادل»، وهو مركز بحوث تقدمي، من أجل شيء يشبه مشروع القانون الذي تقدم به السيناتوران شومر وهينريك.
والواقع أنه في عالم تسوده العقلانية، كان شيءٌ يشبه مشروع قانون شومر- هينريك سيصبح قانوناً في المستقبل القريب، ولكن طبعاً في العالم الحقيقي لن يتقدم المقترح قيد أنملة في الوقت الراهن – لأن «الجمهوريين» لا يريدون أن يعرف أي شخص ما قد تكشفه حسابات التوزيع الوطنية.
واليوم، بات الجميع يعلم أن «المحافظين» صاروا يصيحون «اشتراكي!» كلما اقترح شخص ما القيام بشيء من أجل مساعدة الأشخاص الأقل حظاً في مجتمعنا – وهو السبب الرئيس الذي جعل كثيراً من الأميركيين اليوم ينظرون إلى الاشتراكية بشكل إيجابي: فإذا كانت الرعايةُ الصحية المضمونة اشتراكيةً، فمرحباً بها، ولكن اليمين لا يحتج عند كل محاولة تهدف للحد من التفاوت الاجتماعي، ويقوم بالشيء نفسه متى حاول أي شخص التحدث عن الطبقات الاقتصادية، أو تقييم حال الطبقات المختلفة.
ومثالي المفضل هنا ما زال هو السيناتور السابق «ريك سانتوروم»، الذي ندّد بمصطلح «الطبقة الوسطى» باعتباره «حديثاً ماركسياً»، ولكن ذلك كان مجرد نسخة مضحكة من محاولة عامة من جانب اليمين لكبح الحديث والبحث في موضوع «أين يذهب مال الاقتصاد». ويبدو أن الموقف البسيط للحزب الجمهوري هو: ما لا تعرفه لا يمكن أن يضرك.
وللإنصاف، فإن التقدميين تعجبهم فكرة «حسابات التوزيع» لأسباب من بينها، أنهم يعتقدون أن معرفة أشياء أكثر في هذا المجال من شأنها أن تخدم قضيتهم. ولكن الواقع أن معرفة الأشياء خير من جهلها. وفي أميركا الحديثة، من المهم حقاً وصدقاً معرفة المستفيدين فعلياً من النمو الاقتصادي. وبالتالي، لنجعل من معرفة هذا الأمر، وتعميم النتائج، جزءاً من عمل الحكومة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»