لا مغزى من تقديم تنبؤات في عالم السياسة. وأنا أحذر الناس دوماً من الاعتماد على عناوين اليوم ثم الاستغراق في استقراء المستقبل بناء عليها. لكن لأننا نعيش زمناً استثنائياً، وهناك تحولات كبرى في العالم السياسي، دعنا نتبع هذه الطريقة بعينها، أي التنبؤ بالمستقبل بناء على ما نشهده حالياً. فقد أقر «مايكل كوهين» المحامي الخاص السابق لترامب بالذنب ومُنح «ألين فايسلبيرج» كبير الموظفين الماليين في منظمة ترامب حصانة من المحققين الاتحاديين. وربما هناك المزيد من عدم اليقين في واشنطن عن مصير الرئاسة عما كان عليه الوضع في أكثر من 40 عاماً. إذن ما هي الاحتمالات التي تبدو معقولة في المستقبل؟
ربما لا يتغير شيء. وفي ظل إدارة دونالد ترامب، فمن الممكن أن يتم الكشف عن أمور مثيرة للدهشة الأسبوع المقبل تطغى على الاكتشافات المثيرة للدهشة لهذا الأسبوع وهكذا في دورة لا تنتهي. وقد يستمر الشقاق السياسي في أميركا مختمراً ربما دون أن ينفجر. واعتقد أن «الجمهوريين» سيفقدون مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل والنتائج ستحمل ما يكفي من «الديمقراطيين» الغاضبين ليمثلوا أغلبية في مجلس النواب تصوت على توجيه الاتهام بعدم أهلية الرئيس بالمنصب. صحيح أن نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب تريد أن تتظاهر بأن الانتخابات لا تتعلق بتوجيه الاتهام للرئيس لكني لا اقتنع بهذا. فاحتمال توجيه الاتهام للرئيس في مجلس النواب أكبر من عدم حدوثه.
لكن ما سيحدث في مجلس النواب سيظل أمامه شوط كبير حتى يصل إلى مرحلة موافقة 67 عضواً من مجلس الشيوخ، وهو النصاب الذي يجيز للهيئة التشريعية أن تقيل الرئيس من منصبه. وتذكروا أن الموافقة هل توجيه الاتهام أقرب شبها بتوجيه الاتهام رسمياً. وسيكون مجلس الشيوخ مسؤولاً عن إجراء محاكمة والتوصل إلى حكم. ومن الممكن توجيه الاتهام لترامب في مجلس النواب بغير أن يُدان في مجلس الشيوخ ويُترك الأمر لانتخابات 2020 لتحسم مسألة مستقبل ترامب.
ماذا لو توالت الأمور تتابعياً، ووُجه الاتهام إلى الرئيس، وأزيل من المنصب؟ فقد أشار «رودي جولياني» رئيس بلدية نيويورك السابق الأسبوع الماضي أن توجيه الاتهام لترامب بعدم الأهلية بالمنصب قد يؤدي إلى «تمرد». وأنا أزعم أن «جولياني» قصد توجيه الاتهام والخروج من المنصب وليس فقط توجيه الاتهام في مجلس النواب. لكن كيف سيبدو هذا التمرد؟ هل سيقبل الرئيس وأنصاره هذا الخروج من المنصب باعتباره عملية ديمقراطية تمضي في مسارها أم سيرفضون هذا ويحتجون في الشوارع؟
ماذا يحدث لو اعتقد أنصار ترامب في غمرة الغضب أن كل هذا من صنع تحقيقات غير مشروعة وسيئة السمعة ما كان يجب أن تجرى في المقام الأول؟ هل يتهكم الرئيس على خصومه ويوبخهم ويحاول حشد أنصاره؟ وإذا حشد أنصاره، فمن أجل أن يفعلوا ماذا تحديداً؟ هل تكون هناك مواجهات خارج البيت الأبيض وعلى امتداد البلاد بين أنصار ترامب والمعارضة المناهضة له وقوات الأمن التي تواجه موقفاً عسيراً؟ لا أحد يعلم. وأنا لست متأكداً مما بوسع ترامب القيام به وأي أحد يدعي أنه يعرف فإنه يكذب عليكم. واحتمال وقوع مواجهات بعيدة التحقق فيما يبدو لكنها أصبحت أقرب مما كانت عليه قبل شهرين.
لقد انتجت رئاسة ترامب اقتصاداً متنامياً وخففت قلق عدد لا يحصى من الأميركيين من الطبقة الوسطى. لكنها فتحت الشقاق على أوسع ما يكون في المجتمع الأميركي. وهذا عصر مضطرب لبلادنا وحتى لو لم يوجه الاتهام لترامب ويُجبر على مواجهة محاكمة في مجلس الشيوخ، فإن الأمور ستتفاقم كثيراً قبل أن تتحسن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»