يحتدم الجدل في ألمانيا بشأن «قضية الهجرة» ودخول المهاجرين إلى ألمانيا بأعداد كبيرة، بين حزب المستشارة «أنجيلا ميركل» زعيمة «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، و«زيهوفر»، رئيس «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، الذي يعارض سياسة المستشارة «المتساهلة»، ويعرف أن بعض النقاط في خطته سيثير استياءها حتماً، ومنها إنشاء مناطق حماية اللاجئين في بلدان العبور، حيث تدرس طلبات اللجوء، ومنها كذلك تقليص المنافع للاجئين، ومنها تشديد قانون الترحيل.
وتتباين المواقف بين المتسامحين والمتشددين الألمان، الذين فتحوا بلادهم مثلاً لمئات الألوف من السوريين، فيما ينزلق بعض العرب والمسلمين، وبينهم سوريون أحياناً، إلى ما لا يساعد المتعاطفين معهم على الإطلاق. فالتونسي «سيف الدين»، متهم بالتحضير لعمل إرهابي في ألمانيا باستخدام مادة «الريسين»، حيث أنتج 84 غراماً من هذا السم الخالص الذي يكفي لقتل أكثر من 80 شخصاً دفعة واحدة. وهناك مخاوف من لجوء الإرهابيين إلى استخدام «طائرات الدرون» في نقل هذه السموم في قنابل تلقى على الناس، حيث أشارت الشرطة إلى شريط فيديو عثر عليه في «الموصل» بعد تحريرها، تكشف عن طائرات «درون» كبيرة قادرة على حمل قنابل ثقيلة، كانت في حوزة «داعش»، وقد تستخدم مثل هذه القنابل في هجمات هدفها بث الفوضى والتدافع بين الجمهور، أو هجمات داخل الملاعب والحفلات.
كل هذا، و«سيف الدين»، كما قال رجال الأمن، «لا ينتمي إلى داعش»! وقد حاول مرتين من داخل ألمانيا الالتحاق بالتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق وفشل.
وكانت السلطات قد اعتقلته وزوجته الألمانية في أواسط شهر يونيو 2018، وأطلق سراحها وكانت حاملاً في الشهر الأخير، وقد وضعت المرأة التي اعتنقت الإسلام مؤخراً طفلاً بعد يومين من اعتقال زوجها.
وفي سوريا نفسها، يحاول المسيحيون باستمرار تذكير الساسة والآخرين بحقوقهم، منبهين بأن مسيحيي سوريا اشتركوا في تأسيس الدولة وتستحق ثقافتهم وحقوقهم الحفاظ عليها، بينما يفكر الكثير منهم اليوم بالهجرة إلى أوروبا وأميركا كالمسلمين!
ويقول مدير الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان «جميل ديار بكرلي» في تصريح صحفي بأن المسيحيين هاجروا لأنهم لم يفقدوا الأمان فحسب، بل مورست ضدهم سياسات عنصرية، وهي الممارسات من قبل المعارضة وداعش والنظام والأكراد». وأضاف «بكرلي» أن المسيحيين «يعانون الاضطهاد ولا يشكلون مركز اهتمام بالنسبة للدول الغربية التي تداعت لدعم الأكراد».
مشاكل المهاجرين السوريين في أوروبا ليست سياسية فحسب، بل كذلك اجتماعية وثقافية وغير ذلك. وتقول الصحافة إن هؤلاء اللاجئين لم يخفوا صدمتهم من قوانين الحياة الاجتماعية وقواعد الإتيكيت الغربية وتشريعات الزواج والطلاق!
«عائلة اللاجئ السوري محمد القادمة من مدينة الباب بريف حلب، استغربت أن يجعل القانون الفرنسي الزوج والزوجة، على حد سواء، مسؤولين عن العائلة والأولاد بشكل متساوٍ كلياً، في حين أن مسؤول العائلة (الزوج) هو المسؤول الأوحد عنها في بلده. وأعرب محمد عن رفضه تنفيذ ما يسمعه من تعليمات على عائلته التي وصلت إلى فرنسا منذ نحو العام. وعبَّر محمد عن تذمُّره مما روي له عن أولوية مسؤولية المرأة فيما يتعلق بأمور العائلة والأطفال في حال حدوث طلاق أو افتراق بين الزوجين».
وتقول المراسلة نفسها «رنا الحاج إبراهيم» من مدينة «بواتييه» أنه «لدى وصول عائلة حمدان السورية إلى مدينة سانت الفرنسية، بدأ أطفالها بالضحك عندما رأوا شابة وشاباً يقبلان بعضهما بعضاً في شارع قرب ثانوية قريبة من مكان وجودهم. وكان على المساعدة الاجتماعية المسؤولة عن أمور العائلة أن تشرح لها أن «الاستهزاء والضحك على الناس ممنوع هنا، وأن اللطف واحترام الآخرين أمر سنّه القانون، وأن العادات والتقاليد الفرنسية تختلف عن العادات في سوريا». «يارا وهبي» تحدثت من «برلين» للصحيفة بخصوص اللاجئين السوريين، وعن «دفء خاص يتجاوز حواجز كثيرة»، وعن سوريين «يشعرون بأن مدن ألمانيا مدنهم»! «الشرق الأوسط، 29-12-2016».
أضافت «يارا» تقول: «مع نهاية هذه السنة يكون قد مضى على وجود سوريين في ألمانيا عام، وعلى بعضهم الآخر عامان أو أكثر. أعوام لم تمر بسهولة، ولم تكن الأوقات كلها هنيئة وطيبة، ووفق التوقعات المرسومة. خابت أحلام كثر وصدم بعضهم بواقع لم يكن في الحسبان، كما واجه المجتمع الألماني تحدياً عصيباً، فمن كان من الألمان في صف اللاجئين ومن كان ضدهم، وجد نفسه في موقف صعب ومأزوم، وتحول واقع اللجوء السوري في ألمانيا، إلى حديث يومي».
ثمة صراع نفسي داخل عواطف المهاجرين ولوم ذات على «الهروب» من الوطن في وقت المحنة: «سارة من حلب تؤنِّب نفسها أحياناً عندما تحس «بكل هذه الراحة، وحتى عندما أشعر أن برلين مدينتي، أُذِّكر نفسي أنها ليست كذلك، وإن لم أفعل هذا، تذكرين أمي أننا عائدون. أفهم شعورها، فهي تخشى أن نعتاد على العيش هنا فننسى الوطن».
المهاجر الشاب «علاء» يعيش في نفس الصراع.
«يوضح علاء أن والده يكرر أمامه دائماً «لن تصبح ألمانيا وطنك مهما أحببتها، سنعود، عندما تنتهي الحرب سنعود. وأنا أشعر أنه صراع بين جيل وآخر، فأهلنا يرفضون الشعور بالانتماء خوفاً منه، وكأن حبنا لألمانيا سينسينا سوريا، ونحن الشباب بدأنا نعتاد الوطن الجديد ونحبه». بعض الشابات ارتبطن مع أعماق الشعب الألماني.. في مدينة «هامبورج» «رغد وليلى اللتان لم تتجاوزا الـ 14 عاماً، ربطتهما علاقة رائعة مع ألمانية مسنّة. فهي تهتم بهما وترعاهما منذ وصلتا إلى ألمانيا، حتى أصبحتا ينادينها الجدة، كما تفصح رغد. وتضيف: «لا أستطيع الانتقال من هذه المدينة، ستحزن الجدة إذا ابتعدنا. حقيقة لقد جعلتنا نعشق هذه المدينة وعرّفتنا على المناطق والشوارع. أصبحت لدينا ذكريات كثيرة معها، فالجدة هي المدينة والمدينة هي الجدة ونحن سعداء فيها».