غزني مدينة مهمة استراتيجياً لأفغانستان لأنها قريبة من منطقة القبائل المجاورة لباكستان، وتقع على طريق كابول قندهار السريع. وفي الآونة الأخيرة، اقتحم مقاتلو «طالبان» المدينة وسيطروا على وسطها ومواقع أخرى مهمة استراتيجياً فيها. ثم أعلنت الحكومة الأفغانية أن قوات الأمن الأفغانية قد دحرت الهجوم، وأن أكثر من 100 من أفراد الأمن قتلوا في أربعة أيام من القتال.
والهجوم على غزني ليس التطور المهم الوحيد، لكنه يلقي الضوء مرة أخرى على المشكلات المبتلى بها هذا البلد الذي يمزقه القتال. والهدف من الهجوم كان فيما يبدو محاولة من «طالبان» لتحدي قوات الأمن الأفغانية في غمرة جهود لإحياء جهود السلام وعرض بوقف إطلاق النار من الحكومة الأفغانية.
والهجوم على غزني يوضح أيضاً المعضلات التي تعيشها أفغانستان. فالدول الغربية والولايات المتحدة منها بخاصة فقدت الرغبة في استمرار حضورها العسكري في أفغانستان. وهناك تقارير تتحدث عن جهود دبلوماسية تجري في الدهاليز لاستكشاف عملية سلام أفغانية من خلال المحادثات بين الولايات المتحدة و«طالبان» وبلد ثالث. ويعاني الجنود الأميركيون من غارات «طالبان» المفاجئة التي يختفي في أعقابها المقاتلون، وهي الاستراتيجية التي تعزز موقف الجماعة المقاتلة في الواقع على طاولة المفاوضات. وعلى أساس هذه الوقائع، فإن هجوم غزني استهدف بوضوح إرسال رسالة مفادها أن «طالبان» قوة يعتد بها على الأرض وأنها ستظل تمثل معارضة وتحدياً لوجود قوات أجنبية في البلاد. لقد كان الهجوم استعراضاً للقوة من «طالبان»، ولفتوا به انتباه وسائل الإعلام رغم أنه تم دحرهم على يد قوات الأمن الأفغانية وحدها بمساعدة نشطة من الجنود الأميركيين.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تتطلع إلى وسيلة للخروج بها من البلاد وتبحث أيضاً عن وسائل لبدء عملية السلام باعتبارها الطريقة الوحيدة في أفغانستان التي شهدت دورة عنف لا تنتهي. وواصل مقاتلو «طالبان» تحديهم لقوات الأمن الأفغانية، ونجحوا في العثور على ملاذ في منطقة القبائل التي لا توجد سيطرة عليها وتقع على الحدود بين أفغانستان وباكستان. وطبيعة المحادثات التي تجري حالياً مختلفة أيضاً عن المحاولات السابقة لإغراء «طالبان» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. فقد أصرت الولايات المتحدة دوماً وحتى الآن على أن تجرى أي محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» فحسب، وأن يقتصر دور الولايات المتحدة على عملية تيسير المحادثات. والأمور تبدو الآن كما لو أن الأميركيين يجبرون أنفسهم على استيعاب «طالبان» الذين يصرون على المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة في أي محادثات سلام مباشرة. وعملية سلام مثل هذه قد تعطي جماعة طالبان الأفغانية قوة دعم وبعض الأهمية السياسية.
لكن مهما يكن من أمر الشكل الذي ستتخذه محادثات السلام، فإن باكستان هي الفائز الحقيقي من هذه الأوضاع. وتتمتع باكستان بنفوذ كبير بسبب علاقاتها الوطيدة مع «طالبان»، وهو ما يجعلها لاعباً مهماً بالنسبة للولايات المتحدة التي تريد بشدة أن تخرج من أطول حرب تورطت فيها. وخلال السنوات الخمس الماضية ظهرت الهند باعتبارها حليفاً مقرباً من النظام الأفغاني الحالي. ودأبت الهند على اتهام باكستان بمساعدة «طالبان» وأعلنت أن عشرات من المقاتلين الباكستانيين كانوا من بين الذين قتلوا في غزني.

وفشلت إدارة ترامب حتى الآن في المضي قدماً في تنفيذ سياستها في أفغانستان. وقبل عام وعد الرئيس دونالد ترامب بأن يكشف عن حملة مشددة ضد الملاذات الآمنة في باكستان ويقلص قدرات «طالبان» ويمنع من حصولها على الدعم والمساعدة. ورغم التحذيرات والتهديدات المتكررة فإن واشنطن لم تستطع حتى الآن تحقيق أي من هذه الأهداف. وأشارت بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة ستدخل في محادثات مباشرة مع «طالبان»، وربما أجبر ظهور عناصر من «داعش» في أنحاء من أفغانستان واشنطن على بدء محادثات مباشرة مع «طالبان». ورغم أن «داعش» ليس لها معقل في أفغانستان، لكنها نفذت ضربات قليلة ضد المدنيين مما زاد طين الحرب الدموية في البلاد بلة.
وتتفاقم دورة العنف في البلاد مع وجود عدة أطراف مؤثرة. وبخلاف الهجوم على غزني قتلت طالبان 39 جندياً في إقليم بغلان ولقي عشرات الأشخاص حتفهم حين أصابت ضربات جوية هدفاً للمقاتلين في مدينة فراة في غرب أفغانستان.
(وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن تفجيراً انتحارياً استهدف مركزاً تعليمياً في كابول هذا الشهر أيضاً أودى بحياة أكثر من 30 قتيلاً بحسب مصادر رسمية. وأغلب ضحايا التفجير طلاب كانوا يستعدون لاختبار دخول الجامعة داخل حجرة دراسية في أكاديمية موعود في منطقة بغرب كابول. وتشير الأمم المتحدة إلى أن التفجيرات والهجمات الانتحارية والاشتباكات أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 مدني خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي، وهو العدد الأعلى منذ عشر سنوات).
وأظهر هجوم «غزني» أن «طالبان» رغم أنها تستكشف محادثات السلام ليس لديها النية لوقف القتال ضد قوات الأمن الأفغانية. ومن الواضح أن ليس هناك ما يدل على أن الأمور تتحسن، وأن الطريق مازال وعراً ًأمام السلام في بلد تمزقه الحروب.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي