بسبب مجمل الشعارات الزائفة الجوفاء، والأيديولوجيا المفرطة القائمة على جنون العظمة، تحقق إيران في هذه المرحلة أصفاراً متكررة في علاقاتها بالعالم الخارجي في شتى الاتجاهات المحيطة بها.
ويبدو من مسار الأحداث الأخيرة منذ خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي المعروف بـ «خمسة زائد واحد»، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، أن المعاناة الإيرانية في الداخل ومع الخارج، قد زادت أضعافاً مضاعفة، فشوارع المدن الإيرانية ملأى بالمتظاهرين الذين يرددون هتافات معادية للدولة وللنظام وينادون بإزالة شظف العيش وبمعالجة هموم المعيشة اليومية التي وصلت إلى الحضيض في بلد من المفترض أن يكون شعبه غنياً لأنه من أوائل الدول المنتجة للنفط منذ ما قبل منتصف القرن العشرين.
على صعيد العلاقات الإيرانية مع الخارج، فحدث ولا حرج، حيث تعاني تلك العلاقات من تردٍ رهيب وربما مع الجميع، إلا ما ندر من دول العالم. وفي هذا المقام سنتحدث عن علاقات الجار الإيراني الشرس مع دول مجلس التعاون من زاوية خسارة إيران على هذا الصعيد في كل لحظة منذ قيام الثورة وما قبل ذلك، وتفويتها على نفسها الفرصة تلو الأخرى نتيجة للإصرار الغريب من قبل أصحاب العمائم على أنهم هم عظماء المنطقة، وعلى جميع الآخرين أن يصبحوا أتباعاً لهم، لا شيء سوى أنهم هم الأكثر عدداً، متناسين أن كثرة العدد هذه هي نقمة لهم وليست نعمة، وهي عامل سلبي في مقاييس عظمة الأمم والشعوب في زمننا الحالي، فالمفاهيم قد تغيرت والأساليب قد تبدلت، ويا ويل الأمم التي لا تغير من نفسها لكي تتماشى مع عصرها الذي تعيش فيه.
إن المفاهيم المبدئية والأساسية للعظمة حالياً تقوم على مفاهيم جديدة، محورها قوة الاقتصاد ورفاهية الشعوب، وإيران اليوم بعيدة عن ذلك بعد السماء عن الأرض، وعلى مدعي العظمة فيها أن يعوا ذلك جيداً.
إن علاقات إيران بدول المجلس تزيد سوءاً منذ الغزو الأميركي للعراق وتخبط بعض الإدارات الأميركية السابقة في قراراتها تجاه العراق، خاصة القرار الخاص بالخروج العسكري السريع منه وتركه لقمة سائغة وعلى طبق من ذهب لكي تتوغل إيران في شؤونه على هواها دون أي رادع أو مواجهة، ثم بعد ذلك أتت الأحداث السورية بجميع تداعياتها وتقلباتها السلبية لكي تتيح لإيراني التدخل فيها عسكرياً عن طريق ميليشياتها وفلولها المرتبطة بالحرس الثوري، وتدخل «حزب الله» اللبناني، وفوق كل هذا وذاك يأتي التدخل الإيراني السافر وغير المنضبط في الشأن الداخلي لمملكة البحرين الشقيقة عن طريق دعمها لفريق من الفئات الضالة التي هي على استعداد لخيانة وطنها في مقابل ثمن بخس، ونتيجة لمطامع آنية وشخصية وبيعه لإيران لكي يعيث فيه فساداً.
معظم ما تقوم به إيران حالياً تجاه دول الخليج العربي، بما في ذلك العراق الشقيق يبدو بأنه متأثر بهذه الأحداث، وربما قائم عليها، وتحركه أطماع إيران التوسعية في أراضي هذه الدول وخيراتها الاقتصادية ورغباتها في النيل من أمنها الوطني وسلامتها واستقرارها ورفاهية شعوبها.
وضمن هذا السياق، هي تقوم ببث دعاية إعلامية مفضوحة وجوفاء قوامها أن أمن الخليج العربي يجب أن تضطلع به دوله وحدها دون أي تدخلات خارجية. ومثل هذا الطرح هو حق يراد به باطل ودس للسم في العسل تهدف إيران من ورائه الاستفراد بدوله اعتقاداً منها بأنها ستصبح لقمة سائغة لها لكي تلتهما. وهذا أمر بعيد المنال، وإيران واهمة بأنه قد يتحقق لها يوماً ما، وله أسباب وحديث سنطرحه في مقام آخر، فدول المجلس، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين ودولة الكويت، أوعى كثيراً من ذلك وأشد حصافة على هذا السبيل. من الأجدى لإيران أن تغير من مناهجها العدائية التي تمارسها، والأكثر فائدة لها هو أن تعي قدرها وحجمها الحقيقي في عالم اليوم، وأن تستمع إلى صوت العقل الذي طالما خاطبتها به جميع دول المنطقة، وأن تبدل من سلوكها لكي تعيش في أمن وأمان مع جميع جيرانها وفي كافة الاتجاهات، خاصة الخليج العربي.
*كاتب إماراتي