أورد موقع «بلومبيرج» مؤخراً بعض البيانات المثيرة للاهتمام من معهد السياسة الاقتصادية. ووفقاً لهذه البيانات، فإن نسبة الأميركيين الذين يحصلون على أجور ضعيفة (أي أجر من شأنه جعل أسرة المرء فقيرة حتى وإن كانت تعمل دواماً كاملاً) هي في أدنى مستوياتها منذ بدء جمع البيانات في عام 1986.
بيد أن الانخفاض لم يكن ثابتاً وموحداً. فعلى الرغم من ارتفاع معدل العمالة منذ عام 2012 و2013، فإننا بدأنا فقط مؤخراً في رؤية قصص إخبارية حول حصول العمال من ذوي الأجور المنخفضة على علاوة.
وجميع المكاسب التي حصل عليها العمال من ذوي الأجور المنخفضة حدثت أساساً في فترتين؛ أواخر تسعينيات القرن الماضي والسنوات الثلاث الأخيرة منه.
وبالطبع، فإن ثلاثة عقود هي عينة قصيرة نسبياً، وقد يكون هذا النمط من قبيل المصادفة. لكن من المثير للاهتمام أن الانخفاض المستمر في الأجور ذات المستوى المتدني حدث في نهاية فترة من التوسعات الاقتصادية الطويلة. فالتوسع الذي امتد من مارس 1991 حتى مارس 2001، كان الأطول في تاريخ الولايات المتحدة ما بعد الحرب، واستمر 120 شهراً، والتوسع الحالي، الذي بدأ في يونيو 2009، هو بالفعل ثاني أطول توسع، حيث استمر 108 أشهر. وفي كلتا الحالتين، بدأت المكاسب بالنسبة للعمال من ذوي الأجور المنخفضة بعد مرور ست سنوات.
وهناك بعض المقاييس الأخرى للأجور تعود إلى أبعد من ذلك. وبالنظر إلى التغيير في المعدل الحقيقي لمتوسط المكاسب في الساعة بالنسبة للإنتاج وللعمال غير الإشرافيين، سنرى قدراً كبيراً من القابلية للتغير، لكن هناك زيادة مطردة أخرى في أواخر ستينيات القرن الماضي، في نهاية أطول ثالث توسع في حقبة ما بعد الحرب.
ومن المنطقي أن يكون العمال منخفضو الأجور هم آخر المستفيدين من الازدهار الاقتصادي. ومع نمو الاقتصاد بعد الركود، سارعت الشركات إلى التهافت على العمال الأكثر إنتاجية، وعدم تعيين الأشخاص منخفضي الإنتاجية ما لم يكن هناك من يحل محلهم. لذا فإن العمال الأكثر عرضة للاقتراب من خط الفقر هم آخر من يتم تعيينهم. وهناك بعض الأدلة على أن هذه الاختلافات في الإنتاجية لا تمثل سوى تأثير متواضع، لكن قد تكون هناك أيضاً أسباب أخرى لأن يكون العمال من ذوي الأجور المتدنية هم آخر المنضمين لقوة العمل. فبعض الناس قد يكسبون القليل جداً في السوق، حيث تكون مزايا الرفاهية، جنباً إلى جنب مع شبه العمل في اقتصاد السوق الرمادية (أو ما يطلق عليه السوق الموازية)، خياراً أكثر جاذبية. وقد يكون الفقراء ببساطة هم آخر من يسمع عن فرص العمل، أو قد يعانون من مزيد من التمييز، ما يعني أن الأمر سيتطلب مزيداً من الضغوط الاقتصادية للشركات فيما يتعلق بتعيين هؤلاء العمال.
لكن أياً كان السبب، فهذا يعني أن العمال منخفضي الأجور هم على الأرجح آخر من يدخل صفوف العمال. وبعد أن يصل الاقتصاد إلى العمالة الكاملة، فإن زيادة الطلب قد تجعل الشركات تنخرط في حرب مزايدة، في محاولة لاصطياد موظفي بعضها بعضاً، ما يؤدي إلى زيادة الأجور. وهذا يعني أن العمال من ذوي الأجور المنخفضة يجب أن يشهدوا زيادة في رواتبهم فقط بعد أن يمضي التوسع قدماً.
ومن الملاحظ أيضاً أن مكاسب الأجور في أواخر تسعينيات القرن الماضي لم تُفقَد في فترات التباطؤ اللاحقة، حتى في الكساد العظيم، كانت الأجور تنخفض بشكل طفيف، وترتفع نسبة العمال الذين يحصلون على أجور الفقر قليلاً. وربما يرجع ذلك إلى صلابة الاتجاه الهبوطي للأجور، أي ميل الشركات إلى عدم خفض الأجور خلال فترات الكساد. فعندما يكون التضخم منخفضاً، كما هي الحال في العقود الثلاثة الماضية، فإن صلابة الاتجاه الهبوطي للأجور تعني أن الأجور الحقيقية لا تميل للتراجع.
وتهدف هذه الحجة إلى جعل التوسع الحالي يستمر لأطول فترة ممكنة. ومع ارتفاع التضخم خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، من المؤكد أنه سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي أن يميل إلى تسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة.
وقد ذكر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي «جيروم بأول» أن النمو العالمي يبرر رفع أسعار الفائدة بصورة أكبر. ووفقاً للنظرية الاقتصادية القياسية، فإن هذا من شأنه أن يقلل الطلب الإجمالي، وربما يبطئ أو حتى ينهي التوسع. بيد أن هذا قد يكون له جانب سلبي. فالمراحل المتأخرة من التوسعات ربما تكون هي المرة الوحيدة التي تعمل فيها دورة العمل بالفعل لصالح أفقر العمال وأكثرهم ضعفاً في البلاد.
ولا يجب أن يقلق الاحتياطي الفيدرالي كثيراً بشأن التضخم، والذي لا يزال حتى هذه اللحظة لطيفاً، ويجب أن يحاول إطالة أمد التوسع لأطول فترة ممكنة.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»