بين فترة وأخرى تعلن جهات مسؤولة في العراق والولايات المتحدة الأميركية، ودول أخرى بأنه تم أو سيتم القضاء على «داعش» من الناحية العسكرية، وبأنه تمت هزيمته والقضاء عليه كتنظيم إرهابي، فقد صرح بذلك رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته حيدر العبادي قبل مدة بأنه تم القضاء على التنظيم مرة واحدة وإلى الأبد. فهل هذا أمر قد حدث بالفعل من الناحية السياسية والفكرية؟ أم أنه يوجد حديث آخر حول الموضوع؟ ولكي تتواجد مصداقية حول الحديث عن القضاء المبرم على «داعش» في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الأماكن التي يتواجد فيها في دول العالم العربي وأوروبا من المهم إدراج التنظيم ضمن الحركة المتطرفة - الإرهابية العالمية الأوسع.

وعن طريق تتبع أصول «داعش» الاجتماعية يمكن قياس مدى صحة القضاء المبرم عليه من عدمها. وهنا رغم أن التنظيم هو امتداد للحركة الأصولية المتطرفة - الإرهابية في أيديولوجيته ونظرته العالمية، إلا أن أصوله السياسية - الاجتماعية متجذرة في محتوى عراقي وفي الحرب السورية الممتدة حتى الآن لثمان سنوات وفي مجموعات من الناقمين المنفردين على الحياة الاجتماعية والمعيشية الأوروبية ذوي الأصول الممزوجة بين شرقيين وغربيين وأفارقة.
وهناك اتحاد غير مقدس بين «الدواعش» وفرع من القاعدة مركزه العراق، أسسه أبو مصعب الزرقاوي، وبين فلول من جيش «البعث» العراقي السابق التي يقودها عزت الدوري نائب صدام حسين ومجموعات أصولية سورية متطرفة، وهو تحالف أثبت خلال المدة التي قويت شوكته فيها بأنه فتاك جداً وذو سلوك وحشي. قد يكون «داعش» هزم في العراق عسكرياً على يد تحالف من الولايات المتحدة ومجموعات عراقية مسلحة أهمها «الحشد الشعبي» والجيش الحكومي النظامي وبدعم من دول متحالفة من الاتحاد الأوروبي ودول عربية وتركيا، لكن من الناحية الأخرى لا توجد مؤشرات تدل على أن الفكر «الداعشي» المتطرف قد اجتث من أذهان العديد من الفئات الشابة في أنحاء من العالم العربي والإسلامي وأوروبا، وهي فئات تعارض التدخل الخارجي في الشؤون العربية، وناقمة على شظف العيش، يتم تداول الأفكار المتطرفة فيما بينها بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعندما كان التنظيم قائماً قبل أن تتم هزيمته العسكرية، أتقن قادته، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي صنع الأعداء، وفشلوا في حشد جماهير عريضة فيما وراء مخاطبة القاعدة المذهبية الضيقة التي ركزوا عليها بشكل مطلق. من هذا المنطلق فإن ما نعتقده هو أن الفكرة «الداعشية» في أذهان الكثيرين الذين يستهويهم العنف والتطرف وقتل الأبرياء لا تزال قائمة وتنتظر أن تطل برأسها عند أول فرصة تتاح لها، وإن كان ذلك بصور مختلفة وتحت أشكال ومسميات جديدة. إن مشكلة التطرف لا يوجد لها حل بسيط وسريع لتخليص العالم منها، و«داعش» يقع ضمن نفس السياق لأن الظاهرة الداعشية ذاتها عاكس لتفكك الدولة ولانتشار نيران الطائفية وتسلط فئات اجتماعية بعينها على الآخرين. «داعش» أو غيرها من مظاهر حركات العنف والتطرف والإرهاب هي مخلوقات مسخ نتجت عن المظالم المتراكمة من الاستقطاب والتعبئة الأيديولوجية والاجتماعية الخاطئة التي استمرت وهي تتشكل لسنوات. المفاتيح الحقيقية للقضاء المبرم على الفكر «الداعشي» تكمن في العمل الوثيق في داخل المجتمعات العربية المحلية التي تتواجد فيها ظاهرة التطرف والعنف بكافة أطيافها عن طريق تبني مناظير جدية تبدأ من القاع فأعلى، وهذا أمر يتطلب قدراً كبيراً من العمل والاستثمار الأيديولوجي والنفسي والمادي.

*كاتب إماراتي