«أريد أن أُقدَّم صورة جديدة عن بلادي البرازيل، حتى لا تظل في أذهان الآخرين بلداً للجريمة فقط.. أملي أن تكون في المستقبل أفضل من خلال الابتكارات، ومشكلتنا هي الطبقة السياسية، إني أقرأ عن الدول العربية كثيراً، وأتابع ما يحصل فيها من إرهاب، من خلال الأخبار، لكنني لا أصدق ذلك إلا إذا زرتها بحثاً عن الحقيقة، أتمنى زيارة دولة الإمارات العربية المتحدة، لما سمعت عنها من أخبار سارة».. هذا الحديث لطفل يدعى«جوستاف بيكايولي» ابن العشر سنوات حضر في ندوة صباحية في جناح الشارقة، بمعرض ساو باولو للكتاب في دورته الخامسة والعشرين، حملت عنوان «مرايا الزمان» شارك فيها الأديبان حارب الظاهري، وأسماء الزرعوني، وأدارتها الشاعرة شيخة المطيري.
استمتعت للطفل جوستاف بانصات، وتفاعلت معه بحنان أب يرى فلذة كبده يشق طريقه في الحياة، حاملاً وعياً مُبكَّراً قد يُتْعِبُهُ مع الوقت.. لقد تحدث جوستاف بتلقائية حين أجاب عن سؤالنا: هل قراءاتك من القصص البرازيلية القديمة أم الحديثة؟..«أقرأ القصص التي تطرح قيم الرجولة والبطولة، وهي أفضل بالنسبة لي، وتلك نجدها في الحكايات البرازيلية القديمة»، وحين نربط بين قوله السابق، وما تقوم به الإمارات من إحياء للتراث وتفعيله، ودفعه نحو المستقل لما يحمل من قيم إلى الحضور في حياتنا في ظل عصرنة طاغية، وتوتر واضح في شبكة العلاقات الاجتماعية على خلفية سطوة الإعلام الرقمي، نجد أن التراث الإنساني مشترك، وإن الإمارات وهي تقوم بإحياء تراثها تعيد تقديم خدمة عامة للإنسانية، رغم محلية وخصوصية تجربتها.
حديث الطفل «جوستاف»، ليس تنظيراً من كُتَّاب وباحثين، ولا خطاباً منمّقاً من سياسيين، ولا صخباً من إعلاميين، ولا لغواً من دخلاء عن الثقافة وما أكثرهم اليوم، ولكنه بمقياس الزمن وحركة الأجيال في التاريخ، هو حديث المستقبل، ودخولنا في حوار مع «جوستاف» ومع غيره من الزائرين رجالاً ونساء من فئات عمرية مختلفة يعود الفضل فيه إلى توافر وسائل التواصل، ومنها: الترجمة الفورية من العربية إلى البرتغالية والعكس، وقبل ذلك إلى التفكير الواعي، والتنظيم المحكم، والمتابعة الدقيقة، والتفاعل مع الآخرين، وكل هذا يعدُّ إنجازاً حقيقياًّ لاستراتيجية الإمارات في المجال الثقافي، وحين يصل خطاب أي دولة إلى الدول الأخرى عبر الناشئة والشباب، فهذا يعني أنها على حق، وأنها تصنع الحدث، وأنها شريك فاعل في حقل الثقافة وفضاءاته المختلفة على المستوى العالمي.
كلام الطفل «جوستاف» يجعلنا نقف أمام ثلاث قضايا تشير جميعها إلى النجاح الإماراتي: أولها: الحضور الإماراتي على المستوى العالمي لجهة الدخول في حوار مباشر مع الآخر من خلال الثقافة، حيث لم تعد بالنسبة لها قوة ناعمة فقط، وإنما إضافة خيريَّة للإنسانية من أجل التعايش والتعاون والمحبة، وثانيها: تقديم بديل عربي إيجابي يمحو الآثار السلبية للجامعات الإرهابية، لدرجة جعلت طفلاً مثل جوستاف من سكان أميركا اللاتينية لا يصدق الإرهاب المنتشر في دولنا، لأنه رأى في الإمارات الوجه الجميل، وثالثها: الخروج من دوائر الخوف المتراكمة من ارتباط القوة أي قوة بالسيطرة، وهو خروج لا يخص الدول فقط، ولكن الأفراد أيضاً، فمشاركة الشارقة، ضيف شرف، في معرض ساو باولو للكتاب، جعلت بعض البرازيليين من أصول عربية بعضها يعود إلى قرون، وهم لا يعرفون أي كلمة عربية يقولون:«نحس ونحن في هذا الجناح أننا عدنا إلى أهلنا وأوطاننا الأولى».. قولهم ذلك رسالة لمن لا يدرك أهمية ما تقوم به الإمارات من أجل الثقافة العربية، ولمن لم يعِ بعد لماذا الطفل جوستاف إماراتي الهوى.. فهل سيرى وطن الحب هذا يوماً؟!.. أتمنَّى ذلك، لأن العلاقة بالآخر تبدأ من هنا.

(*) كاتب وصحفي جزائري