لفت الدكتور طارق سيف النظر في مقاله العراق يحتل أميركا ، والمنشور على هذه الصفحات يوم الأحد 25 أكتوبر، إلى أن العراق بات يحتل أميركا وليس العكس· وبرهن الكاتب على فكرته تلك باهتمام مستويات مختلفة من المجتمع الأميركي بالقضية العراقية وما أصبحت تشكله من هاجس يومي يؤثر في كل مظاهر الحياة الأميركية· وأرى أن الأمر قد اتخذ بعدا آخر هو أن العراق بصدد أن يرسم مستقبل أميركا وعلاقتها بالعالم خلال السنوات المقبلة، والمقاومة العراقية إذا استمرت بمستواها الحالي عاما أو عامين فسوف تصيب الأميركيين بعقدة أعمق وأكثر تأثيرا من عقدة فيتنام، ولن يترك الشعب الأميركي من ورطوه في هذا المستنقع دون حساب، وسيكون ذلك درسا لكل السياسيين الأميركيين عند الإقدام على خطوة مشوبة بالمخاطر والمخاوف مثل احتلال العراق·
لقد كان الدرس اليوغسلافي ماثلا في الأذهان عندما بدأت الحرب على العراق، وكانت حرب أفغانستان القريبة ماثلة في الذهن كذلك· ففي كلتا الحربين ظفرت أميركا بنصر كبير وسهل دون أن تتكبد من المال أو الأرواح ما يقلق الشعب الأميركي وإدارته، وراهنت الإدارة الأميركية على أن العراق سيكون هدفا سهلا مثل الهدفين السابقين·
ووفقا للمعادلة نفسها فإن المغامرة القادمة -فيما لو فكرت أميركا في عمل مماثل - ستقاس على العراق، وهو قياس كاف لمنع الإدارة الأميركية من الإقدام عليها· وإذا سقط بوش في الانتخابات القادمة، وهو أمر غير مستبعد الآن، فإن لاحقيه سيحسبون لخطواتهم ألف حساب حتى لا يلاقوا مصيره· وبذلك فإن العراق سيكون نقطة تحول في التفكير الأميركي، وسيخفف من الغطرسة التي ظهرت بها الولايات المتحدة عقب انتصارها في حرب أفغانستان، وبلغت أسوأ صورها بعد سقوط بغداد.
محمد علي سليم ــ دمشق