هل ستكون الصين محور التجديد ورائدة التنمية في القرن الحادي والعشرين؟ وهل تصلح تجربتها في الجمع بين الحزب الواحد والاقتصاد الرأسمالي الموجّه، نموذجاً صالحاً لبقية البلدان، خاصة العالم العربي في سعيه نحو القفزة التنموية المنشودة؟ هل هجر العالم العربي محاولاته، وصار يتطلع إلى خطوات حاسمة، تفعلُ في بلدانه ما فعله المنهج الصيني في أقصى الشرق؟ صعود الصين وهيمنتها على الصناعة، صار حديث الجميع، وحديث الكتب وقنوات التلفاز والمقالات. وفي العالم العربي اليوم معجبون لا حصر لهم بما أنجزت هذه الدولة الآسيوية العظمى التي اخترقت حواجز العزلة والفقر والتخلف وكثافة السكان، لتزود العالم بصناعاتها الثقيلة والخفيفة، وبإنتاجها الزراعي وبكل ما يحلم به الخليجي والمصري والمغربي والعراقي، إلى جانب أوروبا وأميركا وأفريقيا، فوفرت الصين المأكل والملبس والأدوات للجميع.. بأرخص الأسعار؟! وكانت الصين بلد «الكم» السكاني الهائل وأتعس الفلاحين الفقراء، فغدت «بين ليلة وضحاها»، بلد الإنتاج والصناعة والتجارة والحاويات المتراكمة والسفن المحملة المبحرة، والرافعات والموانئ والمدن التي لا تعرف ليلاً من نهار، وصيفاً من شتاء. بل برزت كذلك في صناعة السيارات، حتى باتت مؤهلة لاجتياح عالم السيارات الكهربائية في الدول المتقدمة! تقول صحيفة الشرق الأوسط: «تحتل الصين اليوم المرتبة الأولى عالمياً فيما يتعلق بالتكنولوجيا شديدة التقدم الخاصة بالسيارات الكهربائية. ويعود الفضل في ذلك إلى سياساتها الاقتصادية التي جعلتها تتفوق على دول صناعية عدة في تطوير تكنولوجيا السيارات الكهربائية، ومن ضمنها تلك التي تسير من دون سائق. وتسترعي آخر التطورات الحاصلة في الصين اهتمام خبراء ألمان، خصوصاً من منتجي السيارات، إذ أعلنت حكومة بكين عن قوانين جديدة منوطة بالأعمال المشتركة مع منتجي السيارات الأجانب، وألغت ضرورة وجود شراكة بين منتجي السيارات الكهربائية والهجينة الأجانب مع منتجين محليين. وسيشمل القانون أيضاً منتجي العربات التجارية في عام 2020». وفيما نتجادل في الاستغناء عن «الكفيل» و«الوكالة»، ستلغي الصين قيود تملك 50% من أسهم الشركات المنتجة لهذه السيارات، كحد أقصى، ما يعني أنها ستصبح قادرة على إنشاء أعمال تجارية حرة لهم من دون شريك صيني. يقول أحد المحللين: «لنتأمل ما حدث منذ عام 1980 عندما بدأت العولمة في البروز كعامل مهم, وكانت الولايات المتحدة تملك آنذاك ناتجاً وطنياً إجمالياً يبلغ 2.8 تريليون دولار، في حين كان ناتج الصين 302 مليار دولار فقط. ولكن بحلول عام 2016 كان الاقتصاد الأميركي قد نما إلى 18.6 تريليون دولار، في حين بلغ الاقتصاد الصيني 11.3 تريليون. هذه بالطبع قفزة مذهلة بالنسبة للصين. ولكن بما أن الصين اليوم بمثابة ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، فإن الكثير لا يزال أمامها وإنْ كانت الصين قد فرضت نفسها بشكل واضح، فماذا عن الأفراد؟ على هذا الصعيد، لا يزال الطريق طويلاً. «ففي عام 2017 بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني للفرد أقل من 16 ألف دولار مقابل نحو 60 ألف دولار للفرد في الولايات المتحدة». كما أن دولة كاليونان، على مشاكلها المالية، يبلغ متوسط الدخل الفردي السنوي نحو 28 ألف دولار، وتُعد «أكثر ثراء من الصين».. إنْ كانت المقارنة مقنعة! ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أوراق الصين القوية وإمكانياتها الكامنة، وعلى الدول المنافسة ألا تقع ضحية تجاهل الحكمة في «حكاية الأرنب والسلحفاة»! كما أن «هامش المناورة الإنتاجية الصينية» - إنْ صح التعبير - واسع، ونَفَس الصينيين طويل بعد أن «تحكمت بلادهم بأسواق الدنيا ومناجمها ومحاصيلها». ويؤكد الاقتصاديون الدارسون لمدى اعتماد الأميركيين على البضائع الصينية، «بينما كانت الصين تزداد ثراء، جنى المستهلكون الأميركيون الفوائد عموماً. ويكفي أن ننظر إلى السلع الأساسية مثل ملابس الأطفال والأولاد، فإن أسعار هذه السلع، بفضل الواردات من الصين، انخفضت بنحو 10% بين عامي 1999 و2013». في عام 2016 مرت الذكرى الـ 60 على إقامة العلاقات الرسمية بين الصين والدول العربية، وقد قطع التعاون الصيني العربي أشواطاً طويلة في المجالات كافة خلال العقود الستة الماضية. وقد أكد الرئيس الصيني «شي جبينج» في خطابه التاريخي في جامعة الدول العربية، أن الصين لن تسعى إلى بسط النفوذ والبحث عن الوكلاء في الشرق الأوسط. إن بروز الصين كقوة اقتصادية نقطة تحول عالمية بكل المقاييس. وقد ذكرت صحيفة «القبس» أن أكبر أربعة بنوك في العالم اليوم صينية، إذ بلغت موجودات «البنك الصناعي والتجاري الصيني» مثلاً 3.42 تريليون دولار عام 2015، فيما جاء ترتيب بنك «جي بي مورغان» الأميركي بـ 2.35 تريليون دولار في المرتبة السابعة. والآن، ما التصورات المتداولة لتطوير العلاقات العربية الصينية، وكيف يمكن ترجمة الإعجاب والانبهار بنجاح الصين، إلى أرقام اقتصادية وتحولات تنموية؟ *كاتب ومفكر- الكويت