مرّر الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي تشريعاً أطلق عليه اسم «إسرائيل دولة الأمة اليهودية»، بأغلبية 62 مقابل 55 صوتاً. وفي تعليقه على تمرير القانون، وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» بأنه «لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل»، مضيفاً: «لقد قررنا في القانون المبدأ الراسخ لوجودنا، وهو أن إسرائيل دولة لأمة الشعب اليهودي، وتحترم حقوق جميع مواطنيها». وفي ردود أفعالهم، احتفى المتعصبون الإسرائيليون وأنصارهم في الولايات المتحدة بالقانون باعتباره «كاشفاً»، في حين تباكى كثير من الليبراليين على «الضرر الذي يُحدثه القانون بـ«(الرؤية الصهيونية)»! ومثلما أوضحت في كتابي «الفلسطينيون.. الضحايا المخفيون»، فحتى قبل قيام الدولة، كان هدف الصهيونية السياسية يتمثل في استئثار اليهود وطرد الفلسطينيين، ومنذ تأسيسها، مررت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 60 قانوناً وطبقت سياسات هدفها تحقيق ذلك الهدف. وبعد عام 1949، على سبيل المثال، هدم الإسرائيليون 349 قرية فلسطينية، وطردوا سكانها الفلسطينيين وأجبروهم على التحول إلى لاجئين. وصادرت إسرائيل الأراضي، وأعلنت أن تلك الممتلكات «أراضي الدولة»، وحولتها إلى مشاريع تطوير «لليهود فقط» تابعة لوكالات شبه حكومية. وبموجب القانون، لا يمكن التنازل عن تلك الأراضي لسيطرة غير يهودية. وهكذا كان ديدن إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، إذ بنت مناطق سكنية «لليهود فقط» يعيش فيها أكثر من 700 ألف يهودي، بينما هدمت ما يربو على 10 آلاف منزل فلسطيني. وخصصت في الأراضي المحتلة طرقاً وخدمات وإمدادات مياه.. لليهود فقط. وكل القوانين التي تم تمريرها بعد تأسيس دولة إسرائيل رحبت بهجرة اليهود ليصبحوا مواطنين إسرائيليين، بينما حظرت على اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم. وهناك قوانين وسياسات كثيرة تحابي اليهود على الفلسطينيين العرب، مثل: «الفصل غير المتساوي» للأنظمة التعليمية وامتيازات الخدمات الاجتماعية، وتمويلات التطوير والبنية التحتية، والسياسات المنظمة للتعبير عن الآراء السياسية. وهناك أيضاً تمييز واضح في العقوبات المخصصة لمخالفي القانون. فالإسرائيلي الذي يضرب لاجئاً بلا رحمة يُعاقب بمئة يوم في «الخدمة العامة»، والجندي الإسرائيلي الذي يقتل فلسطينياً أعزل رمياً بالرصاص يعاقب بالسجن 8 أشهر، في حين أن الفتاة الفلسطينية التي تصفع جندياً إسرائيلياً حاول اقتحام منزلها، تعاقب بالسجن 9 أشهر! وبالنظر إلى أن هذه السياسات والقوانين التي تفضل في المعاملة اليهود على العرب مُطبّقة، فهناك سؤالان مهمان: لماذا صمّم نتنياهو على تمرير هذا القانون الآن؟ ولماذا تباكى الليبراليون؟ والإجابة على السؤال الأول ربما تكمن في السيكولوجية السياسية لنتنياهو، فهو كأي شعبوي قومي في أي مكان آخر، يدرك الميل العنصري لقاعدته الشعبية، وفي الوقت ذاته، في ظل وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، يشعر نتنياهو بالقوة، فهو واثق من أنه لن يواجه أية عقوبات أميركية، بينما يعتبر قانون «دولة الأمة اليهودية» تمهيداً لضم نهائي للضفة الغربية. بيد أن المحير هو شعور الليبراليين فجأة بالقلق من أن إسرائيل حولت ما تفعله منذ عقود إلى قانون، ولعل تفسير ذلك ما قاله الرئيس الإسرائيلي «رؤوفين ريفيلن»، الذي وصف نص القانون بأنه «يمكن أن يضر الشعب اليهودي في أنحاء العالم وفي إسرائيل، وقد يستخدم كسلاح من قبل أعدائنا». وبعبارة أخرى: «لقد كنا نفعل ذلك كله من دون أن يلاحظ أحد على مدار عقود، وإضافة الطابع الرسمي عليه، ستجعلنا نبدو سيئين». وفي هذا الصدد، يُسقط القانون ورقة التوت عن إسرائيل، ويكشف وحشية الفصل العنصري الذي تطبقه في فلسطين المحتلة.