شاهدت صباح الاثنين الماضي، نقاشاً مذهلاً دار في مجلس الشيوخ الأيرلندي، إذ تحدث الأعضاء بين مؤيد ومعارض لحظر استيراد السلع الإسرائيلية المنتَجة في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومشروع القانون المنظور هو «قانون ضبط الأنشطة الاقتصادية في الأراضي المحتلة لعام 2018»، والذي من شأنه أن يحظر على أي أيرلندي استيراد أو بيع سلع أو خدمات مصدرها الأراضي المحتلة، أو أن يستخرج موارد من هذه المناطق. ومشروع القانون قدمته السيناتور المستقلة «فرانسيس بلاك» وآخرون، في وقت سابق من العام الجاري، لكنهم وافقوا على تأجيل مناقشته والتصويت عليه حتى الشهر الجاري، بطلب من الحكومة الأيرلندية. ويبدو أن التأجيل كان مثمراً، إذ مكّن المؤيدين من حشد تأييد شعبي واسع النطاق لهذه الجهود. وخلال الأشهر التي سبقت مداولات مجلس الشيوخ الأيرلندي بشأن مشروع القانون، قادت «بلاك» وفداً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعند عودتها، عقدت لقاءات في دوبلن وكورك وغالواي، واستضاف المؤيدون لمشروع القانون أيضاً مزارعين فلسطينيين من الضفة الغربية، ذكروا بدورهم أعمال الرعب التي يمارسها الاحتلال. ومع نمو الدعم الجماهيري في أيرلندا، انضم حزب المعارضة الرئيس «فيانا فيل» إلى الأحزاب الأخرى: «سين فين» و«الديمقراطيين الاجتماعيين» و«حزب الخضر» كمؤيدين لمشروع القانون. وعند طرح مشروع القانون للتصويت، كان تمريره مؤكداً، فأيّده 25 عضواً بينما رفضه عشرون. وبقدر سعادتي بالنتيجة، كان النقاش بحد ذاته مؤثراً؛ فلم يُرفع صوت واحد تأييداً للسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وحتى أولئك الذين صوتوا ضد القانون أدانوا المستوطنات الإسرائيلية، والخطوة الأميركية أحادية الجانب بفتح سفارة في القدس، بل إن أكثر من عضو قارنوا الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بـ«نظام الفصل العنصري» الذي كان موجوداً في جنوب أفريقيا. ورغم معارضة الحكومة، فإنها لم تجد إلى حشد الناس من حولها سبيلاً. وحتى وزير الخارجية «سيمون كونفي»، المعارض البارز للقانون، أكد أنه «متعاطف مع القانون» وأقرّ بـ«الظلم الشديد» الذي يتعرض له الفلسطينيون. وأوضح هو وآخرون في حزبه أن سياسة الحكومة تقر بأن المستوطنات غير قانونية، لكن مخاوفهم ترتبط بأن تخطو أيرلندا خطوة سابقة للاتحاد الأوروبي، وما لذلك من تداعيات محتملة. غير أن رد السيناتور «بلاك» جاء حاسماً وبليغاً، إذ تحدثت عن تأثير المستوطنات على حياة الفلسطينيين، وانتقدت «الإدانات الجوفاء» للممارسات الإسرائيلية من قبل الاتحاد الأوروبي، قائلة: «رغم الإدانات المتكررة من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحكومة الأيرلندية لتلك المستوطنات، فإنها تواصل شراء الموارد المستخرجة من هناك». وتابعت: «إن تلك المستوطنات التي تقوم على الأراضي المغتصبة، خارج الحدود المعترف بها دولياً، هي جريمة حرب»، متسائلة: «هل ثمة رد أخلاقي على إدانة هذه الجريمة، ثم السؤال عن ثمن البيض الذي يُنتج هناك؟». ويتجه الآن مشروع القانون إلى مجلس النواب في البرلمان الأيرلندي للنظر فيه، وبالطبع ستكون المعارضة شرسة، لكن «بلاك» ومؤيدي القانون الثابتين على موقفهم عازمون على المضي قدماً لإقراره. وبفضل المبادئ التي أظهرها شعب أيرلندا الشجاع، والصراع من أجل العدالة وتطبيق القانون الدولي، فإن النضال من أجل العدالة وتطبيق القانون الدولي قد دخل مرحلة جديدة. مرة أخرى، أيرلندا تقود، وهؤلاء الذين لطالما دافعوا عن حقوق الفلسطينيين وسلطوا الضوء على إخفاقات الغرب في التصرف بحسم دفاعاً عن شعب عانى طويلاً، لا يسعهم إلا أن يقولوا: «شكراً أيرلندا!».