من وجهة نظر أوروبا، فإن أزمة حلف «الناتو» لها اسم واحد: دونالد ترامب. ومن السهل فهم السبب: فالرئيس الأميركي يصف الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف بأنها عالة أو متطفلة. وقد رفض في قمة العام الماضي التأكيد على نقطة بعينها للحلف، وهي أن هجوماً على دولة عضو من أعضائه يعني الهجوم على جميع دوله. وهو يثني على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتهيأ للقائه بعد توبيخ الحلفاء الأطلسيين في بروكسل هذا الأسبوع. لكن رغم خطورة ذلك الخطاب، فإن سياسة الولايات المتحدة –حتى الآن– لم تعكس فورة غضب ترامب. ولا تزال القوات الأميركية في بولندا وألمانيا تعمل لصالح الحلف، ولا تزال العقوبات ضد روسيا بسبب تدخلها في احتلالها القرم، وتدخلها في شرق أوكرانيا، وكذلك في الانتخابات الأميركية لعام 2016.. كما هي. وقد أيدت واشنطن انضمام مقدونيا للناتو، وباعت لأوكرانيا صواريخ مضادة للدبابات. والواقع أن الحلقة الضعيفة في الحلف هي تركيا، فهناك بلد ينزلق في دائرة نفوذ روسيا، أي الدولة التي وُجد «الناتو» أصلا لكي يردعها. وفي ديسمبر الماضي، أبرمت تركيا صفقة لشراء نظام دفاع جوي من طراز إس-400 من موسكو، وفي أبريل، شرع الأتراك في إنشاء محطة طاقة نووية روسية الصنع. ومؤخراً أجرى الرئيس أردوغان محادثات مع بوتين لمناقشة مستقبل روسيا. إن محاولة روسيا «إبعاد» تركيا هي أمر غير عادي، بالنظر إلى أن البلدين كانا على وشك الانخراط في حربٍ عام 2015 عندما أسقطت طائرة مقاتلة تركية طائرة روسية كانت قد حلقت فوق الأراضي التركية. ولم يستفد ترامب من فرصة انعقاد اجتماع الحلف في بروكسيل الأسبوع المنصرم، بدليل تصريحاته الهجومية، يوم الأربعاء الماضي، ضد ألمانيا وتغريدته يوم الثلاثاء شاكياً من أن حلفاء «الناتو» مقصرون في الإنفاق الدفاعي الخاص بهم. لقد سبق أن قدم الرؤساء الأميركيون السابقون، ومنهم أوباما، شكاوى مماثلة بشأن عدم سداد أوروبا نصيبها العادل في الإنفاق الدفاعي. أما ترامب فلم يفعل ذلك من وراء الكواليس، بل عبر تغريدات منشورة وتصريحات معلنة. يقول «جاري شميث»، وهو باحث وخيبر استراتيجي في معهد «أميركا انتربرايز»، إن «عدم قدرة الرئيس على التمييز بين القادة الديمقراطيين والقادة المستبدين، تعني أن تركيا ستفلت من العقاب، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً داخل حلف الناتو، بدليل استمرار الغزل المتبادل بينها وبين روسيا وبوتين». وهكذا رأينا أن قمة «الناتو» الأخيرة لم توجه أي لوم لتركيا على سلوكها، وكان كل تركيز القادة المجتمعين على موضوع الإنفاق الدفاعي للحلفاء. وفي كلمته في افتتاح القمة، قال الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبيرج، إن الدول الأعضاء لم تعد تخفض الإنفاق العسكري. ومن المتوقع أن ينفق ثمانية من الحلفاء هذا العام 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو الحد القديم للحلف. وفي الوقت نفسه، التزم «الناتو» بوجود 30 سرباً جوياً و30 سفينة مقاتلة و30 كتيبة معدة آلياً جاهزةً للانتشار في غضون 30 يوماً للدفاع عن دول البلطيق بحلول عام 2020. وأعتقد أن أي رئيس أميركي آخر، يُقدَم له هذا الدليل على التزام أوروبا المتجدد بالتحالف عبر الأطلسي والبالغ من العمر 70 عاماً، سيكون سعيداً بقبول هذا. لكن فيما يتعامل ترامب مع قمة «الناتو» باعتبارها ساحة للأوروبيين، لسلب أميركا، تذهب تركيا أبعد فأبعد نحو روسيا. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»