برغم جهود النظام الإيراني الرامية إلى رقابة الإنترنت أو إبطائها، فإن الإيرانيين، وعلى غرار بقية شعوب العالم، يحبون الفيديوهات التي تلقى انتشاراً واسعاً على الشبكة العنكبوتية. والآن، يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي اغتنام هذه الفرصة؛ حيث تطرح قناته على يوتيوب مقاطع فيديو قصيرة، مرفقة بترجمة باللغة الفارسية، تخاطب الشعب الإيراني بشكل مباشر، أحدثها مقطع فيديو خصّصه لتهنئتهم بمناسبة أداء منتخبهم الوطني في كأس العالم. كما يضم مكتبُه فريقاً خاصاً بـ«تيليغرام»، التطبيق الذي يحظى بشعبية واسعة، والذي حاول النظام الإيراني حظره مؤخراً. أسلوب نتنياهو يتميز بنبرة غير رسمية، وإن كان يرتدي بذلة وربطة عنق. ورسالته مفادها بأن إسرائيل ليست لديها مشكلة مع الشعب الإيراني، وإنما مع زعمائه. والحقيقة أن من الصعب قياس فعالية تلك الفيديوهات؛ فالفيديو المتعلق بالمنتخب الإيراني لكرة القدم، مثلًا، حظي بـ24 ألف مشاهدة فقط، لكن النظام لاحظ ما يجري. وفي وقت سابق من هذا الشهر، مثلًا، انتهز وزير الدفاع الإيراني الفرصة لرفض العرض الذي قدمه نتنياهو بخصوص تكنولوجيا المحافظة على الماء، في كلمة ألقاها أثناء فعالية ثقافية في إيران. لكن نتنياهو انخرط في نوع من علم النفس العكسي، بينما ينخرط الإيرانيون في العصيان المدني ضد نظام تراجعت شرعيته وصدقيته. والمفارقة الكبرى، كما يقول المستشار السابق والمحلل المختص في الشؤون الإيرانية بمؤسسة «راند كورب»، علي رضا نادر، هي أن «بروباغندا النظام المناوئة لإسرائيل يمكن أن تجعل إسرائيل أكثر شعبية بين الشباب الإيراني». وهناك سياق تاريخي للموضوع أيضاً. ففي عقودها الأولى، اتبعت إسرائيل سياسة خارجية تركز على نسج علاقات مع دول الجوار العربي، مثل تركيا وإثيوبيا وإيران. وحتى عام 1979، كانت تربط إسرائيل علاقات قوية بالشاه، والإيرانيون ليست لديهم ذكريات مؤلمة، على غرار ما للعرب مع إسرائيل. بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا يرون في التسعينيات أن على إسرائيل السعى لتغيير نظام الملالي بتقوية معارضيه وتوحيدهم، وكان أبرز المدافعين عن هذه المقاربة هو الراحل يوري لوبراني، آخر سفير لإسرائيل في طهران، وكذلك رئيس «الموساد» الراحل مير داغان. ولكن لوبراني وداغان كانا منشقين داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وقد سعت إسرائيل في هذه المرحلة إلى شل برنامج إيران النووي، كما دعمت الجهود الأميركية لمعاقبة الاقتصاد الإيراني. وظاهرياً، قد يبدو أن نتنياهو عاد لتبني موقف لوبراني؛ لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك؛ فنتنياهو كان من أبرز المنادين بإخراج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015، ما يعني فرض عقوبات مؤلمة على البنوك وصادرات النفط الإيرانية، من أجل حمل إيران على تفكيك برنامجها النووي، وإنهاء اعتداءاتها الإقليمية. ولكن هذا ليس تغيير النظام، وإنما تغيير سلوكه. إن الطريقة الصحيحة للنظر إلى فيديوهات نتنياهو على يوتيوب، يقول المتحدث باسمه ديفيد كييز، هي باعتبارها «محاولة لنظهر للشعب الإيراني من تكون إسرائيل». فنتانياهو يحاول تجاوز النظام والتحدث مع الإيرانيين مباشرة. ومع ذلك، يشدد كييز على أن دبلوماسيته العامة «لا تلغي أهمية زيادة الضغط الاقتصادي على النظام الإيراني». فعندما يتدفق المال الغربي على إيران، يقول كييز، فإنه «يُسرق من الشعب ويُستخدم لشن الحروب في الشرق الأوسط». لكن الاستراتيجية الأفضل تكمن في سعي الغرب وراء تضامن حقيقي مع الإيرانيين الراغبين في استعادة بلدهم، وذلك من خلال استهداف الزعماء والمؤسسات بشكل فردي، وهذا ما تقصده الحقوقية الإيرانية الحائزة جائزة نوبل «شيرين عبادي» بقولها إن العقوبات ينبغي أن تؤذي النظام، وليس الشعب. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»