تجبرنا نتيجة الانتخابات الرئاسية في تركيا مؤخراً على قبول واقع جديد: تلك الأحلام الليبرالية بإقامة ديمقراطية مسلمة يمكن سحقها بواسطة قوة اللاليبرالية الصاعدة. ونحن الآن نعيش فيما يطلق عليه مؤيدو الرئيس رجب طيب أردوغان «تركيا الجديدة». ورغم الانكماش الاقتصادي، والإحباط من سياسات تخنق شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة العلمانيين والأكراد، فقد أعيد انتخاب الرئيس التركي بنسبة 52% من الأصوات. كانت هزيمة للذين تمنوا أن يرسل تصويت الأتراك برسالة قوية لأردوغان.وسيقود اردوغان البلاد في ظل نظام رئاسي يتمتع فيه بسلطات واسعة، وأمامه القليل من المعوقات، على أمل تحويل الجمهورية العلمانية إلى نظام من نوع آخر. وبغض النظر عن الكيفية التي تنظر بها إلى الأمر، فمن المؤكد أن أردوغان هو السياسي الأكثر شعبية، لكن نصف السكان تقريباً لا يزال في المعسكر الآخر، وضمنه شريحة كبيرة من المجتمع التركي. وكان أردوغان خلال الحملة الانتخابية، قد اتهم الحزب الموالي للأكراد بأنهم «إرهابيون»، واتهم «حزب الشعب الجمهوري»، العلماني المعارض، بـ«التحالف مع الإرهابيين».. لكن كل هؤلاء «الإرهابيون» سيكونون الآن في البرلمان التركي على مقاعد المعارضة! أما المصدر الثاني لقلق الرجل القوي في تركيا فهو القومية التي أطلق لها العنان. وفي هذه الانتخابات لم يكن أداء «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه جيداً كما في الماضي، حيث تراجع من 49% في انتخابات 2015 إلى 42% فقط. وهذا يجعل أردوغان مديناً بالفضل لحليفه «حزب الحركة القومية» المتشدد. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، كان أردوغان يعتمد على «حزب الحركة القومية» وزعيمه «دولت بهجلي»، في تمرير القوانين في البرلمان. والآن، وقد خسر حزبه الأغلبية، فلن يكون أمامه سوى مواصلة الاعتماد على القوميين المتشددين. وهذا يعني أنه لا مجال للمناورة بشأن القضية الكردية في تركيا. وإلى ذلك، سيتعين التعامل مع اقتصاد آخذ في التدهور، فهناك أكثر من 20 مليون تركي يحصلون على رواتب حكومية، ما يجعل تركيا دولة رفاهية كبيرة، لكن مواردها آخذة في الانخفاض. وحماس أردوغان لتحقيق اقتصاد ذي نمو مرتفع قائم على مشروعات البنية التحتية الكبرى والتشييد، سيؤدي إلى أزمة مالية. ومع الحاجة لسيادة القانون لطمأنة الشركات ولتعزيز الثقة في الليرة التركية، فما لم ينظم الأتراك بيتهم الداخلي، فإن توزيع ذلك الرفاه الاجتماعي سيكون أكثر صعوبة في العام المقبل. خلال الحملة الانتخابية، استجاب الرئيس التركي لمطالب المعارضة برفع حالة الطوارئ –التي فرضت بعد الانقلاب الفاشل عام 2016- مع القول بأنه سيتم رفعها نهائياً بعد الانتخابات. ولعل أفضل شيء يمكن لأردوغان فعله من أجل تركيا، هو إلغاء الإجراءات المصاحبة لقانون الطوارئ، والتي تشمل قيوداً على حرية التجمع والصحافة. في ليلة الانتخابات، ذهبت إلى مركز الاقتراع بمدينة إسطنبول، وكان عشرات الآلاف من الأتراك يتبرعون للعمل كمراقبين في جميع أنحاء البلاد. وفي المركز الذي زرته، كان المراقبون ومسؤولو الاقتراع جميعهم من النساء، يراقبون عمليات الفرز كالصقور، ويحَمِّلون النتائج على تطبيقات خاصة في هواتفهم. وكنت ممن تمنوا أن تتجه الانتخابات نحو الإعادة.. لكن «لقد فاز الرجل»! أسلي أيدنتاسباس: زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»