هَل دخلت الجزائر بجديّةٍ مرحلة مُحاربة الفساد؟.. هذا السؤال يُطْرَحُ على نطاق واسع بين جميع فئات المجتمع وطبقاته، ويأتي مُحَمَّلاً بحقائق لا يمكن لصانع القرار تجاهلها، ليس فقط لكونها وصلت إلى درجة التهديد الأمني والنفسي والعقلي للمجتمع كله، وإنَّما لأنها ذات طابع دولي، حيث تشترك إسبانيا من ناحية التبليغ من جهة أولى، والولايات المتحدة الأميركية من ناحية المتابعة والحضور بل والمحاربة من جهة ثانية، وأقصد هنا تهريب الكوكايين في حمولة بلغت 701 كلغ الآتية من البرازيل باعتبارها لحوماً مستوردة تم ضبطها في ميناء وهران من طرف البحرية الجزائرية التابعة للجيش الوطني الشعبي، وأدت في التحقيقات الأولى إلى الكشف عن تورط رجال أعمال ومسؤولين كبار، مدنيين وعسكريين، وقضاة، ووكلاء الجمهورية، وولاة، وأفراد عاديين.. إلخ. التحقيقات الأوليَّة كشفت أيضاً، على أن إصدار أحكام لجهة تبرئة المتهمين أو إدانتهم متروك للقضاء، أما فك ألغاز القضية، فإنه موكَل على مستوى التحقيق وكشف المتورطين للجيش والمخابرات العسكرية، ومبعدة تماماً على مؤسسة الأمن الوطني تحت قيادة مديرها العام اللواء عبد الغني هامل، الأمر الذي دفعه للخروج عن صمته، ولإدلاء بتصريح صحفي (الثلاثاء 26 يونيو الماضي) حول الكوكايين المحجوز في وهران، اعتبره المراقبون نارياًّ، أكد فيه «أن التحقيقات الأولية شهدت تجاوزات»، وأعرب «عن ثقته التامة في العدالة ونزاهة واحترافية القضاة في التعامل مع هذه القضية، وفي التواصل الموجود مع المؤسسة الشرطية»، وأن هذه الأخيرة «عازمة على مواصلة عملها وعلى مواصلة محاربة الفساد». كل ما جاء في بداية تصريح اللواء عبد الغني هامل المذكور أعلاه لم يكن محل خلاف مع مؤسستي الرئاسة والجيش، لكن ما ذكره بعد ذاك في نفس التصريح هو الذي أطاح به، وقد تم عزله في مساء نفس اليوم الذي أدلى به بتصريحه، حيث ذكر في جزئه الأخير ما نصه: «نقول، الذي يريد محاربة الفساد يجب أن يكون نظيفاً.. وحتى ولو أن المؤسسة الشُّرطيَّة ليست معنية مباشرة بالتحقيق، فإن الملفات التي عندنا والتي تخص القضية سنسلمها للعدالة، لأن ثقتنا كبيرة فيها.. وأنه لا يمكن وقف المؤسسة بادعاءات وعمليات تخويف أو تلاعب ببعض الأمور، وأن مؤسسة الأمن ستبقى صامدة وباقية على العهد خدمة لمصالح المواطن والمجتمع الجزائري». بهذا التصريح قضى اللواء هامل على مستقبله الوظيفي من جهة وعلى مستقبله السياسي من جهة ثانية، حيث أنهيت مهامه بمرسوم رئاسي، وهذا يمثل بداية العد التنازلي له، وقد يحال إلى المحاكمة مستقبلاً في حال تمكن الجناح العسكري من فرض سيطرته بالكامل على المؤسسة الأمنية، في ظل معطيات راهنة تشي بتغير الخريطة السياسية في الجزائر من ناحية توزيع السلطة أوَّلاً، وخلافة بوتفليقة ثانياً، وعودة قيادات سياسية من جديد للحكم ثالثاً. والسؤال هنا: كيف يتم ذلك، وعبد الغني هامل أحد المقربين من الرئيس بوتفليقة؟ انهاء مهام المدير العام للأمن الوطني يعود لثلاثة أسباب رئيسية: أولها: تهديد هامل بالملفات، وما من شخصبة في الجزائر هددت بملفات الفساد إلا أغتيلت، أو على الأقل تم إبعادها وتحجيمها، إما بالسجن أو بإلزامها الصمت تحت التهديد، وثانيها: اتهامه المبطّن لبعض قيادات الجيش بالفساد، وثالثها: التفكير خارج فريق العمل، وبطريقة غير مقبولة لدى الأجهزة المتحالفة، ناهيك عن بداية تراجع الجناح الذي ينتمي إليه.