في ظاهرة جديدة، لكنها مهمة تم تداول شأن قطري داخلي على مواقع إعلامية أوروبية في شكل معلومات وأنباء عن احتدام الخلاف السياسي ضمن أفراد العائلة الحاكمة القطرية حول مستقبل البلاد وشخصية الفرد الذي يحكمها. وعلى المستوى نفسه من الأهمية تتوقع كوادر المعارضة القطرية أن يحدث تغيير وشيك في أعلى هرم الحكم عن طريق إزاحة الحاكم الحالي من سدة الحكم وتنصيب أحد أشقائه حاكماً جديداً. الأمور المتداولة على هذا الصعيد ليس فيها بالنسبة لمن هو مستمر في متابعة الشؤون الداخلية القطرية لمدة طويلة وعن كثب أي جديد، فالأوضاع الداخلية القطرية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين لم تستقر منذ إقصاء الحاكم الأسبق أحمد بن علي آل ثاني من سدة الحكم. فابن العم ينقلب على ابن عمه، والابن ينقلب على أبيه مرتين متتاليتين، والآن يبدو بأنه جاء دور الشقيق لكي ينقلب على شقيقه، فالحبل على الجرار والأمور طاحونتها تدور من سيئ إلى أسوأ، وقطر كدولة وكوطن، والقطريون كشعب يسعى إلى الاستقرار والأمن والرفاهية، هم الذين يدفعون الأثمان الباهظة على المستويات كافة. الجديد المستغرب في مسألة تآمر وانقلاب فرد من الأسرة الحاكمة القطرية على آخر تأتي عندما يرد في الأنباء المتداولة أن وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم بن جبر يطرح نفسه كمصلح، ويقول بالفم المملوء هرطقة وإفكاً بأن ما يحدث الآن في قطر هو سلسلة من الأخطاء المتتالية والصدامات الخطيرة مع دول الجوار القطري، وقيامه بسماجة بانتقاد ما يتم من إنفاق وهدر للمال العام على مشاريع وهمية، أدت إلى انهيار الاقتصاد وأحوال البلاد والعباد، إلى جانب انتقاده لعملية الانفراد في اتخاذ القرارات والاستعانة بالأفاقين وفلول «الإخوان» من أمثال عزمي بشارة ويوسف القرضاوي، وغيرهم، كمستشارين سياسيين وخبراء إعلاميين. السؤال الذي تبادر إلى الذهن فوراً عندما نقرأ ونسمع مثل تلك الأنباء والأقاويل، هو: من الذي زرع كل ذلك في قطر منذ البداية؟، ومن الذي أشرف على السياسة الخارجية عندما بدأ استعداء جيران قطر والدول العربية الأخرى؟، ومن هو الذي جلب هؤلاء الأفاقين إلى قطر بجانب من يطلق عليه الآن «الأمير الوالد» منذ البداية؟ أليس هو نفس ذلك الشخص الذي زرع مع ربيبه الأمير المخلوع بذرة الشر منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين؟ من ينادي الآن إلى إصلاح الشأن القطري الداخلي عن طريق خلع تميم هو ذاهب من دون شك إلى هوة التاريخ السحيقة عقاباً له على ما أسهم فيه أصلاً من إضرار بمصالح قطر والقطريين، وإلحاق الضرر بجيران قطر، إلى جانب العديد من الدول العربية الأخرى، وهدر للمال العام القطري، وعن طريق إيواء فلول «الإخوان» وأفاقي العالمين العربي والإسلامي، ومن لفظتهم بلدانهم، بما في ذلك إسرائيل، وقادة ومرتكبي الإرهاب من كل حدب وصوب، وغير ذلك العديد من الأفعال المشينة التي يصعب حصرها. كان الأجدى بحمد بن جاسم بدلاً من ادعاء الإصلاح الركون بهدوء في عزلته التي يعيشها حالياً، وأن يعيش حياته في سكون وتواضع، لكنه يبدو مولعاً بالضجيج والأضواء والتحدث بالصوت العالي من دون ما هدف واقعي يمكن إنجازه حقيقة، كعادته عندما كان وزيراً للخارجية جمعتنا به الكثير من اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي. الهرطقة التي نسمعها من قبله الآن يبدو بأن لها أسبابها، فهو أولاً يريد الانتقام من تميم لأنه هو الذي أخرجه من السلطة وأبعده عن الشؤون القطرية والمال العام القطري؛ وثانياً: هو يأمل من خلال ادعائه بأنه معارض للنظام الحاكم القائم حالياً إلى استعادة ماضيه المشين عن طريق نبش التاريخ، لكن التاريخ لا يعيد نفسه، وهو لن يعود إلى السطة مرة أخرى، إلا ما شاء الله؛ وهو ثالثاً، يريد أن يجد لنفسه وضعاً ضمن صفوف الجناح المعارض من الأسرة الحاكمة فيما يبدو بأنه حركة التفاف يريد من خلالها اتقاء شر القادمين منهم إلى السلطة، فنهاية النظام الحاكم القائم الذي عرابيه «الحمدين»، وهو أحدهما يبدو بأنها باتت وشيكة. لكن مثل هذه الحيل والالتفافات في عالم السياسة لا يمكن لها أن تنطلي على أحد، ونتائجها معروفة، إحداها هي فقدان الصدقية؛ وهو رابعاً وأخيراً يريد مغازلة جيران قطر الأقربين عن طريق القول بأن: «قرارات تميم كان ينبغي لها أن لا تكون صدامية بهذه الطريقة مع دول الجوار»، ربما بحثاً عن مأوى مستقبلي لدى إحداها، أو ربما لحاجة في نفس يعقوب. لكن السؤال يبقى، بعد ماذا؟ أبَعد خراب الدوحة؟ *كاتب إماراتي