تاريخ منطقة الخليج العربي يُكتب من جديد، ذلك باختصار ما تعبر عنه استراتيجية العزم التي أعُلن عنها بين الإمارات والسعودية، فمنذ قيام الدولة بقيادة مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لم تشهد المنطقة حدثاً بأبعاد استراتيجية بمثل هذه الأهمية، والذي ستكون له تداعيات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية ستترك آثارها ليس على البلدين فحسب، بل على مجمل الأوضاع في منطقة الخليج والشرق الأوسط. لسنا بحاجة هنا للتذكير بمجالات التعاون الاستراتيجية التي أعلن عنها، والتي شملت كافة القطاعات، فقد أضحت معروفة، إذ من المهم تشخيص مدى تأثير هذا التوجه الجديد وانعكاساته، فاقتصادياً، سيحتل اقتصاد البلدين المرتبة 15 عالمياً بعدد سكان يتجاوز 40 مليون نسمه، كما أنهما ينتجان 45% من إجمالي انتاج منظمة «أوبك» من النفط، وهو ما يحولهما إلى قوة عالمية في مجال الطاقة، أما حجم تجارتهما فتبلغ 750 مليار دولار لتصبح إحدى أهم القوى التجارية في العالم بموقع استراتيجي يقع على ممرات حيوية للتجارة الدولية بين الخليج العربي والبحر الأحمر. وإذا تم النظر إلى المشاريع المزمع تنفيذها، فإننا سنجد أن هذه القوة الاقتصادية الكبيرة القادمة ستتحول إلى مركز للسياحة والصناعات البتروكيماوية ومشتقات النفط وتحلية المياه، التي يزداد الطلب العالمي عليها، وكذلك التقنيات الحديثة كالبرمجيات والذكاء الإصطناعي. أما في مجال الاستثمارات الخارجية والتي تقرر التعاون بشأنها، فستتشكل قوة تملك قدرات استثمارية تتجاوز 2 تريليون دولار، مما سيحولها إلى أحد أكبر القوى الاستثمارية في العالم، وستتسابق الأسواق والمؤسسات الكبرى على التنسيق معها واستقطابها، وهو ما سيساهم في توفير عائدات إضافية لتنويع مصادر الدخل. سياسياً ستتشكل قوة سياسية لا يمكن إيجاد حلول لقضايا المنطقة دون الرجوع إليها وستتمع بثقل سياسي عالمي سيكون له شأن في تحديد مسارات سياسية عديدة في الشرق الاوسط، في الوقت الذي سيؤدي التعاون العسكري والأمني إلى قلب موازين القوي في المنطقة بصورة جذرية ويعيد ترتيبها من جديد، لتحتل الدولتان المركز الأول بين القوى الإقليمية، وهي بذلك تنهي بصورة عملية الخلل الكبير في موازين القوى الذي ساد المنطقة بعد سقوط نظام بغداد في عام 2003، مما ساهم في تدمير العديد من البلدان العربية بسبب تدخلات القوى الإقليمية المعادية، كإيران التي استغلت هذا الخلل للهيمنة والتوسع. بالتأكيد، هذه نظرة متفائلة في محيط عربي مصاب بالأزمات والإحباط وبتاريخ طويل من الاتفاقيات العربية المجمدة، إلا أن «استراتيجية العزم» تختلف تماماً لأسباب عديدة، أولها، أن هذه الاستراتيجية تتمتع بقيادة شابة تملك القدرة والطموح والرؤى ولديها الصدق والإخلاص، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «العهد المحمدي» الرامي إلى تغيير وجه المنطقة والرقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة. ثانياً، وعلى الضد من كافة الاتفاقيات العربية السابقة، فقد تم تشكيل جهاز تنفيذي لمتابعة إنجاز المشاريع والرؤى المتفق عليها، بل إنه تم تحديد فترة زمنية تمتد لخمس سنوات لتحقيق ما اتفق عليه ضمن هذه الاستراتيجية، مما يعني أن المشهد الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني في المنطقة سيكون مختلفاً بعد خمس سنوات من الآن. وهناك مسألة مهمة للغاية لكافة هذه التوجهات، وبالأخص للجانب الاقتصادي، وهي أن استراتيجية العزم توفر أحد أهم مقومات التنمية الاقتصادية المستدامة وجذب الاستثمارات الأجنبية، أي تلك الخاصة بالاستقرار والأمن، إذ ستتحول الدولتان إلى قوة عسكرية أولى في المنطقة ستعزز الثقة وتقدم الضمانات الأمنية لاستقرار دول الخليج العربية لقدرتها على الدفاع عن هذه الدول بعدما تغيرت أولويات مصالح الكبرى، مما يعني أن هذه استراتيجية منحت أبناء المنطقة ثقة كبيرة في مستقبلهم واستقرارهم وأمنهم، وهو ما سيشكل دافعاً إضافياً لنا جميعاً لتقديم كل الدعم لاستراتيجية العزم والمساهمة في انجازها باعتبارها واجباً وطنياً ضامناً للأجيال القادمة ولمستقبل هذه الدول واستقرارها وتنميتها.