تغمُرنِي سعادة عارمة حين يتم أي تعاون عربي، سواء أكان ثنائياً أو ثلاثياً أو رباعياً أو أكثر من ذلك، ويطغى عليّ حلم التراكمات بتحقيق وحدة عربية جزئية أو كلية طال انتظارها ولكنها لم تغب، لم تنس.. ولم تمح من الذاكرة الجماعية لأمتنا، لذلك تفاعلت إيجابياً على المستوى الشخصي، قبل الإعلامي والكتابي والتحليلي مع «استراتيجيَة العزم» التي تم إعلانها في السادس من يونيو الجاري خلال انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي – الإماراتي، وأي فرد عربي تُحرّكه مشاعر الأخوة، يرى فيها ذاته حتى لو لم تعد عليه بمنافع مباشرة، لكن يكفي أنها تحقق أمناً قومياً عاماً في مختلف المجالات، أرضيته الأساسية التعاون الإماراتي السعودي، وقد تكون بعد زمن أراه قريباً مرجعية لتعاون عربي شامل مثمر، مع أن الوقائع الراهنة تشير إلى غير ذلك، والسؤال هنا: إذا كانت استراتيجية العزم بين السعودية والإمارات مؤكدة النجاح على مستوى العلاقة الثنائية..فهل ستنجح على المستوى القومي؟. بعيدأ عن التحليلات الإعلامية والسياسية خلال الأيام الماضية، والتي ذهبت إلى مباركة«استراتجية العزم»، وهي مُحقّة في ذلك، هناك تساؤل على المستوى الخليجي أولاً، والعربي ثانياً، مؤداه: أَلاَ تُعدُّ هذه الاستراتيجبة ذات الطابع الثنائي بديلاً عن العلاقات الجماعيّة بين دول مجلس التعاون الخليجي؟.. ستعتبر كذلك لو أنها جاءت في اطار تفكُّك المجلس، أو أنها اعتبرت وريثاً شرعياًّ أو غير شرعي له إنما هي في قوتها ويجمعها بين الدولتين عامل وحدة ليس للدول الخليجية فقط، وإنما للدول العربية جميعها، وما الدعم الذي تلقته الأردن بعد اجتماع«مكَّة» إلا دليلاً على ذلك، بدليل اسهام الكويت إلى جانب السعودية والإمارات. إذن، استراتيجية العزم، بداية موفقة للعمل العربي المشترك على أرضيَّة صَلْبَة، وما يؤكد هذا أمران، أولهما: تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي عبرت عن رؤية الإمارات الطموحة للعلاقات مع المملكة العربية السعودية وأهمية هذه العلاقات بالنسبة إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعمل العربي المشترك بوجه عام، وثانيهما: التغيير الحاصل في القرار السياسي العربي من خلال استراتيجة العزم، حيث الخروج العلني من ضيق التكتيك إلى سعة الاستراتيجيا، ومن رد الفعل إلى الفعل، ومن المناورة إلى التحالف، ومن الدفاع عن المصالح القومية بكل أبعادها إلى الهجوم. من ناحية أخرى، فإن استراتيجية العزم هي مُحصلة ستة عقود من أشكال الوحدة العربية المختلفة، التي عرفتها دولنا، التي بدأت منذ 1958 وإلى غاية 1990، منها: اتحاد ثنائي(الاتحاد العربي الهاشمي: بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية، والجمهورية العربية المتحدة: بين مصر وسوريا، والوحدة الاندماجية بين ليبيا ومصر، والجمهورية العربية الإسلامية: بين ليبيا وتونس، وبيان حاسي مسعود الوحدوي: بين ليبيا والجزائر، والوحدة الاندماجية: بين ليبيا وسوريا، والاتحاد العربي الأفريقي: بين ليبيا والمغرب، والجمهورية اليمنية: اتحاد بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي)، ومنها اتحاد ثلاثي: (ميثاق طرابلس الوحدوي: بين مصر والسودان وليبيا، واتحاد الجمهوريات العربية: بين سوريا ومصر وليبيا)، ومنها اتحاد رباعي(مجلس التعاون العربي، جمع كُلاً من: العراق، والأردن، واليمن الشمالي، ومصر)، ومنها اتحاد خماسي(اتحاد المغرب العربي: بين الجزائر، والمغرب، وليبيا، وتونس، وموريتانيا)، ومنها اتحاد سداسي (مجلس التعاون الخليجي: بين السعودية، والإمارات، وعُمان، والكويت، والبحرين، وقطر)، ومنها اتحاد سباعي (الإمارات العربية المتحدة)، وعلى خلفية نجاح هذا الاتحاد ستنجح بلا ريب استراتيجية العزم، خليجياًّ وعربياًّ وعالمياًّ.